مهرجان "سوق الصبر" يُعيد إحياء قرية رنتيس ثقافياً ويُساهم في تمكين أهلها مجتمعياً واقتصادياً

الرئيسية في القطان الأخبار مهرجان "سوق الصبر" يُعيد إحياء قرية رنتيس ثقافياً ويُساهم في تمكين أهلها مجتمعياً واقتصادياً

على مدى ثلاثة أيام متتالية، تزين مهرجان "سوق الصبر" الأول للثقافة والتسوق، بالحرف اليدوية والمنتجات الوطنية، التي تحاكي بمضمونها شغف نساء وأهل قرية رنتيس الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، الذين شاركوا في إنتاجها، وتُطل بتفاصيلها الصغيرة المحبوكة بإتقان على حكاية صمود يرويها الناس عن قريتهم الواقعة في المنطقة الحدودية بين الأراضي المحتلة العام 1948، وأراضي العام 1967.

واختتم المهرجان فعالياته يوم الاثنين 12/7/2021، بعد أن أعاد إحياء الحالة الثقافية داخل القرية، كإحدى أدوات مقاومة الاحتلال الساعي إلى محو الهوية الثقافية والوطنية.  وقد ساهم المهرجان في خلق سوق داخلي لتمكين أهلها اجتماعياً واقتصادياً في ظل عدم توفر فرص عمل فيها، واعتماد نسبة كبيرة من أهلها على العمل في مناطق فلسطين المحتلة العام 48.  كما اشتبك المهرجان فنياً مع زوّاره، من خلال مشاركتهم في مسار الرسم التوضيحي في البلدة القديمة، حيث اللوحات المُعلقة التي خطها الأطفال وأعادوا من خلالها إحياء ذاكرة القرية التي ما زلت أراضيها تتعرض للضم منذ العام 1948.

وخلال المهرجان، قدمت 60 سيدة مشاركة من مختلف المحافظات (منهن 15 سيدة حصلن على تدريبات ضمن مشروع "مقامات رنتيس") أعمالاً يدوية مميزة من حُلي وإكسسوارات وأطباق من القش وأصص زراعية من نبتة الصبار، ومُعلقات من الخيش وخشب الزيتون، ومأكولات شعبية ومنتجات وطنية كالألبان والأجبان وزيت الزيتون.  كما تميزت النساء بدمج الخشب في عملية التطريز، وعمل المطرزات والأثواب الفلسطينية التي تحاكي الثقافة وتحافظ على الموروث الثقافي والهوية الفلسطينية والمُنتج المحلي.

"هذه المشاركة الأولى لي، وأخرجت خلالها مواهبي وقدراتي، وشكلتْ أيضاً مصدر رزق لي".  هذا ما قالته الشابة سلسبيل هوشة (30) عاماً، وهي إحدى المشاركات في مشروع "مقامات رنتيس" الذي أتاح لها مساحة كافية كي تُعبر عن مواهبها ورغبتها في التطور، وإنشاء مشروعها الخاص المتمثل في الرسم على "البورسلان" والزجاج، وعمل الإكسسوارات والتطريز.

واستكملت حديثها وهي تلتفت إلى أشغالها اليدوية: "صنعتها بحب وبرغبة في إظهار موهبتي التي كانت مخبأة، وهي في الوقت ذاته دعم لقريتي وتعريف بأهميتها".

ويُعتبر مهرجان "سوق الصبر" أحد أنشطة مشروع "مقامات رنتيس" الحائز على منحة الدورة الخامسة من مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية" الذي بادر إليه وأشرف على تنفيذه الفنانان بشار خلف وبترا برغوثي، وعدد كبير من الفنانين والناشطين الثقافيين والاجتماعيين، بالتعاون مع مجلس قروي رنتيس، والجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال "أصالة"، وجمعية سيدات رنتيس، واتحاد الشباب الفلسطيني، وبتمويل مشترك من قبل مؤسسة عبد المحسن القطان، والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC)، علماً أن "القطان" تلقت 83 طلباً للمشاركة، تقدم بها فنانون أفراد، وفاعلون ثقافيون ومجتمعيون، ومجموعات، وفرق، أو مؤسسات فنية أو ثقافية عاملة في الضفة بما فيها القدس، وقطاع غزة.

وأوضحت مديرة مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية في "القطان" مها حموري/غوشة، أن "مشروع "مقامات رنتيس" ساهم في تحفيز وتشجيع أهالي القرية على المشاركة المجتمعية الفاعلة لإعلاء أصواتهم، وطرح قضاياهم واحتياجاتهم، من خلال مشاركتهم في فعاليات المشروع، ومن بينها مهرجان "سوق الصبر"، الذي أعاد إحياء القرية ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وشكل مظلة عامة لتحفيز أهلها وانخراطهم مجتمعياً مع محيطهم".

وأضافت حموري: "المهرجان أحدث حراكاً مجتمعياً حقيقياً في القرية، وأخرج النساء من العزلة، وهذا بفعل ما قدمه كل من الفنانين منفذي المشروع بشار خلف وبترا برغوثي، حيث بدا جلياً حجم التفاعل الذي أظهره الحضور من خلال مبادراتهم الفردية بالتبرع للقرية بالخشب والدهان، ومشاركة أهلها في الفعاليات الفنية المختلفة".

"أنتم خسرتم الكثير من الأراضي، ولكن لم تخسروا ثقافتهم وصمودكم رغم العقبات".  بهذه الكلمات بدأ نائب مدير مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون توماس يناتش حديثه مع أهالي القرية خلال كلمته الافتتاحية في المهرجان التي شاركته فيها مسؤولة المشاريع الثقافية في الوكالة، راغدة أنضوني، معبرين عن سعادتهم لتواجدهم بين أهالي القرية.

وقال توماس: "هذا التدخل المجتمعي مهم جداً للقرية، والمهرجان ليس مجرد فعالية، وإنما هو إبراز لثقافة وحضارة رنتيس العريقة التي حافظتم عليها".

بدورها، أثنت فداء توما، المديرة العامة لمؤسسة عبد المحسن القطان في كلمة مقتضبة لها على مشروع "مقامات رنتيس"، وعلى فعالية مهرجان الصبر، باعتبارهما يفتحان فضاء جديداً للتفاعل والانخراط المجتمعي، ويعززان من مكانة البلدة وقدرتها على مواجهة التحديات التي تحيط بها.

كما يهدف المهرجان إلى إحياء الحالة الثقافية داخل القرية وتحفيز المجتمع المحلي على التعبير عن احتياجاتهم، من خلال انخراطهم في النشاطات الفنية والثقافية والمجتمعية.

"القرية مهمّشة ونساؤها يمتلكن مشاريع صغيرة يجب تسليط الضوء عليها، وقمنا بتدريبهن وتسويق منتجاتهن".  هذا ما قالته مديرة الجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال "أصالة"، رجاء الرنتيسي، خلال افتتاح فعاليات المهرجان التي بدأت السبت 10/7/2021، مشيرةً إلى أن "أصالة" قدمت للنساء المشاركات تدريبات عملية عدة؛ بهدف إدارة مشاريعهن وتحسين الإنتاج.

وعن تسمية المهرجان بـ "سوق الصبر"، قالت: "لأن رنتيس تشتهر بزراعة نبتة الصبار، ولكن هذا العام أصيبت النبتة بفيروس وتعرضت للتلف والتعفن".

بدوره، أكد رئيس مجلس قروي رنتيس، حسن وهدان، أهمية إقامة المهرجان لما له من مكانة في تعزيز العمل التعاوني والتعريف بمكانة رنتيس الجغرافية والسياسية، وتعزيز صمود أهلها على الأرض.

وقال وهدان: "المهرجان شكل مصدر دخل ودعم للكثير من العائلات، وبخاصة أن القرية قد تكبدت خسائر كبيرة بسبب تعرض نبتة الصبار للتلف، لاعتبارها مصدر دخل للكثيرين".

ونوه مدير عام اتحاد الشباب الفلسطيني، محرم البرغوثي، إلى الدور التشبيكي والشعبي الذي لعبه الاتحاد من أجل تحقيق أهداف مهرجان "سوق الصبر"، مشيراً إلى أهميته في رفع اسم قرية رنتيس لأهميتها الجغرافية في ظل الممارسات الإسرائيلية المستمرة الهادفة إلى تهجير سكانها ومحو ثقافتها وحاضرها.

"شعارنا هو تحويل رنتيس من الهامش إلى المتن، وإعادة إحياء الصورة الحقيقية والمشرقة لها، ودفاعاً منا عن الهوية الثقافية والوطنية التي يحاول الاحتلال طمسها".  هذا ما قالته الفنانة بترا برغوثي منفذة مشروع "مقامات رنتيس".

وأضافت خلال كلمة ألقتها أمام الحضور في اليوم الأول للمهرجان: "وجودنا بينكم يندرج ضمن دورنا وأدواتنا كفنانين ومثقفين في عملية التحرر والمقاومة الثقافية، ولرفع راية التمسك بالأرض والهوية الثقافية للقرية، ولفت الأنظار تجاهها، وإدارك أهميتها المكانية والتاريخية".

وتخلل المهرجان فعاليات وأنشطة ثقافية وعروضات فنية متمثلة شملت عرض دبكة لفرقة بيسان للفنون الشعبية برفقة الزجال الفلسطيني أبو صدام البرغوثي، وعرض سيرك تفاعلياً (سيرك فلسطين)، وعرض حكواتي للفنان محمد حاج أحمد، وعرض مسرح دمى للأطفال (مسرح نعم)، وسكتشات مسرحية للكبار (الأخوين بنورة)، ومعرضاً لبيع قصص الأطفال (مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي)، ومعرض مسار لوحات للرسم التوضيحي في البلدة القديمة.