"استوديو العلوم" يرتحل مع زائريه إلى بيوتهم وصفوفهم الدراسية

الرئيسية في القطان الأخبار "استوديو العلوم" يرتحل مع زائريه إلى بيوتهم وصفوفهم الدراسية

آدم، في الصفّ السادس الابتدائيّ، زارَ استوديو العلوم أكثر من 6 مرّات بمفرده، يسترقُ وقتاً قبيْل تدريبه الرياضيّ في مجمّع رام الله الترويحيّ -الذي أقيم الاستوديو في أحد طوابقه- ليتجّه إلى معروضة "حائط الكرات"، المتمحورة حول دحرجة الزائر كرةً صغيرة لأطول فترة ممكنة من الأعلى إلى الأسفل عبر مسارات يبنيها وفق معرفته، فيتعلّم من أخطائه، ويكرّر بناء نماذجه وتصاميمه حتّى تنجح المهمة؛ أو قد لا تنجح.

 

اندمج آدم في كلّ مرّة ببناء مسار مختلفٍ للكرة، وحين سأله فريقُ الاستوديو عن سبب عودته مراراً، قال بكلّ بساطة: "بحبّ أثبّت خشب على الحائط".  تعدّ معروضة "حائط الكرات" مثالاً واحداً من المعروضات العلميّة التفاعليّة، في إطار "التفكير بالأيدي"، فهي توفّر مجالاً مفتوحاً لاختبار قوانين الحركة والقوة والوزن والتوازن، وتسهّل تعلّم الفيزياء بربطها باللّعب.

 

آدم واحدٌ من أكثر من 2100 طفلٍ وطفلة زاروا استوديو العلوم في الأشهر الثلاثة الأخيرة، إمّا وحدهم وإما مع معلّميهم وعائلاتهم، جاءوا من مدنٍ فلسطينيّة عدّة مثل رام الله وقلقيلية وطولكرم وبيت لحم والقدس، وتفاعلوا مع المعروضات العلميّة التفاعليّة والأنشطة التي يقدّمها الاستوديو.

 

لا تنتهي زيارات الأطفال حال مغادرتهم الاستوديو، بل يحمل بعضهم تجربته إلى الصفّ والمنزل؛ الأمر الذي يهمّ مطوّري المعروضات العلميّة والباحثين لتحسين معروضاتهم، ولبناء مادة بحثيّة حول التعلّم العلميّ التفاعليّ؛ بحيث يسعى برنامج البحث والتطوير التربويّ في مؤسّسة عبد المحسن القطّان وبلديّة رام الله، اللذان أسّسا هذا المشروع، إلى خلقِ فرصٍ للتعلّم، مبنية على البحث الموسع والتقييم المستمرّ.

 

في هذا السياق؛ نظّم استوديو العلوم لقاءً بحثيّاً في مدرسةِ بتّير الأساسيّة للبنات غرب بيت لحم، الخميس 21/12/2017، مع طالبات صفّ الثامن اللواتي زُرنَ الاستوديو الشهر الماضي، ناقش فيه مطوّرا المعروضات سجى عمرو وعكرمة أسمر، ومساعدة البحث أسماء مزيّن تأمّلات الطالبات وآراءهنّ حول الزيارة؛ وذلك بتنسيقٍ مع معلّمة العلوم في المدرسة رباب عدوان، التي سبق وانخرطت في فعاليّاتِ حول تعليم العلوم نظّمتها "القطّان"، وشاركت في مهرجان "أيّام العلوم في فلسطين" السنويّ خلال الأعوام الماضية.

 

ممنوع اللّمس

لا يتوافق الاستوديو مع كلّ توقعات زوّاره، فعلى عكس الكثير من المعارض العلميّة التقليديّة التي يقتصر التفاعلُ فيها على المشاهدة؛ لا يوجد في الاستوديو من يشرح طريقة صنع المعروضات ولا استخدامها، ولا المبدأ العلميّ وراءها بشكلٍ مباشر، فالتجوّل في الاستوديو حرّ، يعتمد فقط على بطاقاتٍ تعريفيّة موجزة لكلّ معروضة.

 

عبّرت العديدُ من الطالبات عن توقّعهن تجاربَ كيميائيّة، فيها تفاعلات وانفجارات، مجاهر كثيرة، دودة مشرّحة، ومجسّماً من مادّة الفلّين لكواكب المجموعة الشمسيّة؛ توقّعن مكاناً يشبه المختبرات المدرسيّة إلى حدّ كبير.

 

 

لوحظَ أنّ زوّار الاستوديو لا يلمسون أيّاً من المعروضات في بداية الزيارات، حتى أنّ بعض المعلّمين يوجّهون لطلبتهم أوامر صارمة بعدم اللمس، مستخدمين أدواتِ إدارة الصفّ المدرسيّ وضبطه ذاتها، لكنّ الأمور لا تجري بهذه الطريقة في الاستوديو، كونه فضاءً للاستكشاف، لذا يحتاج الزوّار للتأكيد المستمرّ بأنّهم يستطيعون التجريب بأيديهم، دون مُشرف ولا ميسّر ولا توجيهات.

 

بدورهم، يتابع الباحثون ومطوّرو المعروضات سلوك الأطفال وتفاعلهم في الاستوديو، بهدفِ التحليل والبناء عليه، فمن الملاحظات اللّافتة مثلاً أنّ نسبة كبيرة من الأطفال يميلون إلى محاكاةِ شخصٍ تفاعل مع المعروضة قبلهم، عوضاً عن المبادرة إلى الاستكشاف والتفكير بطريقتهم الخاصّة للتفاعل؛ كأنّهم ينتظرون تلقي التعليماتِ والأمثلة.

 

مهارات البحث

تعطّش الأطفال الطبيعيّ للاستكشاف لا يحتاج في الحقيقة إلى توجيهات، بحثت الطالبة أميرة مثلاً عن الاستوديو على موقع فيسبوك قبيْل الزيارة، واستغربت حين وجدت أنّ المعروضات ليست معقدة وتستطيع هي فهمها بسهولة، وسألتْ طالبة أخرى والدها حال عودتها إلى المنزل عن آليّة عمل معروضةٍ لفتت نظرها وولّدت لديها التساؤلات.

 

اقترحت الطالباتُ في مدرسة بتّير على فريق الاستوديو أنْ يصمّموا معروضاتٍ متعلّقة بعلم الفلك، بالفضاء والكواكب والجاذبيّة، فقالت إحداهنّ: "أخذنا درس عن الفضاء، دخلت على موقع YouTube، لقيت مقاطع فيديو، بس لسّا لسّا، بدي أعرف كمان، بدي أحسّ إشي في إيديّ، أشوفه قدّامي".  كما فكّرت العديدات منهنّ بالمواد التي صُنعت منها المعروضات، واستطعنَ تبرير ومناقشة استنتاجاتهن ببراهين منطقيّة.

 

من جانبها، عبّرت الطالبة نغم عن عدم رضاها، كون المعروضات فنيّة برأيها وليست علميّة، لأنّها لم تقدّم لها دروساً في العلوم ولا علاقة لها بالمنهاج، كيف لمعروضةِ أقنعة الظلّ أن تكون علميّة؟ يُمسك فيها الزائر قناعاً مقابل مصدر الضوء، ثمّ يلاحظ الظلال التي يلقيها القناع على وجهه وجسمه.  كيف؟

 

في تلك الأثناء، في الصفّ المجاور، كانت مطوّرة المعروضات سجى عمرو تسأل مجموعةً من الطالبات: "ما الفرق بين العلم والفنّ؟".

 

أجابت إحداهنّ: "العلوم حصّة، أما الفنّ يعني تقعدي تتسلّي".  هل للفنّ والعلم أن يجتمعا في مكانٍ واحد؟ أجمعت الطالبات على الردّ: "نعم، طبعاً، من الممكن أن نصنع مجسماتٍ للمفاهيم العلميّة، أو نرسم أجهزة الجسم مثلاً".

 

 

أعادتهنّ عمرو إلى زيارتهنّ للاستوديو، إلى معروضةِ الدولاب الحيّ (zoetrope) مثلاً، التي توضّح طريقة عمل الصور المتحرّكة، عبر دولابٍ يدور وعليه رسوم متتابعة لحركةِ جسم ما.  يلعب الضوء دوراً كبيراً في المعروضة، فكلّ ومضة تتيح لنا مشاهدة لقطة واحدة، ولكن عند عرض مجموعة من اللّقطات المتتالية بسرعة (24 لقطة في الثانية)، فإنّ العين تتوهم لتراها مشهداً واحداً مستمراً.

 

تبعاً لذلك، استرجعت الطالبات كلّ المعروضات التي تجمع بين الظلّ والألوان والضوء والأشكال الهندسية والتصميم، وناقشنها واكتشفن أنّها كلّها تدمج الفنّ بالعلم معاً، دون أن تفصل بينهما.  بذلك؛ ساهمت طالباتُ الصفّ الثامن في مدرسة بتّير بالحوار حول أهمّ التساؤلات العالميّة البحثيّة عن الانخراط الفعّال وخبرة التعلّم الجماليّة.

 

من جانبه، يعتبرُ فريقُ استوديو العلوم العملَ مع الجمهور، وكونه مساحة وبيئة مرحّبة مؤشريْن مهمّين للنجاح، لذا يسعى -مع جمهوره من الأطفال والمعلّمين والعائلات- إلى تعزيز التفكير النقديّ والاستقصاء، وجسر الفجوة بين التعليم الرسميّ وغير الرسميّ؛ ويعمدُ إلى إشراك الجمهور في عمليّتيْ التقييم والتصميم.