"القطّان" تفتتح "مكتبة البذور البلديّة" في بتّير

الرئيسية في القطان الأخبار "القطّان" تفتتح "مكتبة البذور البلديّة" في بتّير

تحتفل مؤسّسة عبد المحسن القطّان، في الثالث من حزيران القادم، بافتتاح "مكتبة البذور البلديّة" في قرية بتّير غرب بيت لحم؛ وذلك ضمن مشاريع "مشروع وليد وهيلين القطان لتطوير البحث والتعليم في العلوم" -برنامج البحث والتطوير التربويّ في المؤسسة.

 

ويهدف افتتاح مكتبة البذور البلدية إلى تعزيز فكرة التعلّم التكامليّ؛ الذي يدمج بين التعلّم الرسميّ- عبر المعلّمين- وبين التعلّم غير الرّسميّ الذي يركّز على تعزيز الثقافة العلميّة حول البذور والنباتات ليكونَ المخرَج معروضةً علمية تفاعليّة.

 

ويأتي افتتاح مكتبة البذور البلدية كأحد مخرجات ورش عملٍ دوريّة نظمها برنامج البحث في "القطان"، بمشاركة مجموعة من المعلّمين والمعلّمات، وقارنوا فيها بين كلّ من البذور البلديّة والبذور المهجّنة والمعدّلة جينيّاً، كما ناقشوا طرقَ إشراك الطلبة في عمليّة البحث عن البذور وعن حكاياتها؛ كجزءٍ من المحافظة على الإرث المعرفيّ الذي تحمله كلّ بذرة.

 

وزفّت صنصور خلال الورشة الأخيرة التي نظمت في متحف بتّير البيئيّ، السبت الماضي، خبراً للمعلّمين والمعلّمات واعتبرته تاريخيّاً؛ حيث انتشلتْ كيساً بلاستيكيّاً صغيراً من حقيبتها ورفعته، وقالت: "صار لي 6 سنين ببحث عنهن، هذي بذور مقدّسة".

 

وقصدتْ صنصور بذلك بذور "البطيخ الجدّوعي" المنقرض منذ أعوام؛ والذي كان يُزرع في مرج بن عامر وسهل صانور، وأصابه وباءٌ فطريّ، ثمّ أُغرقت الأسواق المحلية بالبطيخ "الإسرائيليّ"... لكنّ "الجدّوعي" لديه فرصة للعودة الآن؛ فبزرع هذه البذور، وحتى لو أنتجتْ ثمرةً واحدة، سيصبحُ بالإمكان استخراجُ البذور منها وزرعها، ثم إعارتها لمزارعٍ ثانٍ لينتجَ بذوراً منها هو الآخر.

 

وتبادل المعلّمون والمعلّمات ما يعرفون عن البطّيخ الجدّوعي، وكيف كان طعمه وحجمه ولونه، ومع من كانوا يأكلونه، وثمّ تبادلوا الاقتراحات حول أنسبِ مكانٍ لزرع البذور.

 

ويلّخص ذلك الموقف فكرة مكتبة البذور فعليّاً، فهو -كما أشارت صنصور- يتضمّن رحلة البحث عن البذور، والنقاش العلميّ حولها، وثمّ رواية القصص وتناقل الإرث الثقافي الذي تحمله؛ والأهمّ أنّ المكتبة تطرح بديلاً فلسطينيّاً قليل الكلفة على المدى الطويل، للبذور الصناعيّة وما يطرحه السوق الإسرائيليّ.

 

"أمّ وسام" ومكتبتها البيتيّة

وكانت المعلّمة المتقاعدة هدى عونيّة "أمّ وسام" من قرية بتّير حلّت ضيفة على الورشة، وذلك لكونها مزارعة منذ سنين طويلة، وتخوّلها خبرتها العمليّة المتراكمة وعلاقتها المتينة مع الأرض للتفوّق على معرفة الأكاديميين النظريّة.

 

ومنذ أعوام تخبّئ "أم وسام" أكياساً مليئة بالبذور البلديّة مع تصنيفها حسب تاريخ استخراجها، وتخزّنها في علبِ حلوى قديمة في المنزل، وتحفظها من التلف بنثر أوراق الميرميّة بينها؛ كما تمارسُ "أم وسام" عمليّة "انتخابٍ" لأفضل ثمرة في المحصول لتستخرج منها بذوراً، فتلفّ الثمرة بشريط ملوّن رفيع، لكي لا يقطفها أحد، وتنتظرها لتنضج حتى يحين الموعد، وتحتفظ ببذورها لتعيد زرعها المرّة القادمة.

 

جلستْ عونيّة تروي نصائح زراعيّة استنتجتها من خبرتها الطويلة كمزارعة، وجلبتْ معها بعضاً من البذور من مكتبتها البيتيّة القيّمة، فتناقلها المعلّمون والمعلّمات فيما بينهم بحذرٍ كي لا يضيعوا منها أي بذرة، وهم يحفظون شكلها وملمسها؛ وكأنّها فعلاً تحمل قداسةً ما.

 

"اللي ما باكل من فاسه، ما بيقرّر من راسه"

وعرضت المعلّمة إنعام عوينة من مدرسة وادي فوكين "صُرّة" كبيرة فيها أنواع عدّة من البذور، كان قد جمعها طالبٌ من طلبتِها بنفسه؛ وذلك يؤكّد على أنّ امتداد مشروع "مكتبة البذور" بات يصلُ إلى الطلبة وبيوتهم، وبالتالي يعزّز ثقافة الزراعة في الجيل الأصغر؛ فمكتبة البذور الفلسطينيّة ليست الوحيدة أو الأولى في العالم؛ لكنّها تكتسبُ قيمة إضافيّة في السياق التحرّري من الاحتلال، وذلك من خلال تداول المعرفة حول الجذور الفلسطينية في الأرض وتعميق الارتباط بها، إضافة إلى خلقِ موارد زراعيّة فلسطينيّة، تزيد من استقلاليّة المزارع الفلسطينيّ وإنتاجيّته؛ فهي وكما عبّرت عنها صنصور "تحمل معها قدرتنا على البقاء وتضمن نجاة ثقافتنا التي تشكّلتْ عبر آلاف السنين".