عنان الناصر
فاطمة عطا يوسف قراقع، معلمة علوم من بيت لحم في مدرسة رخمة الأساسية الحكومية، عملت لمدة عشرة أعوام؛ أربعة منها في مدرسة "هيرمان جماينر" الخاصة، وستة أعوام في المدارس الحكومية، تلقت تدريبات وخاضت تجربة فريدة من نوعها مع مؤسسة عبد المحسن القطان، ضمن مشروع "طفل مبدع .. مستقبل مشرق" الذي تنفذه المؤسسة بالتعاون مع مؤسسة دروسوس، ووزارة التربية والتعليم.
وقالت قراقع أنها تلقت الكثير من الخبرات العملية في مسيرتها وحياتها، وهي حاصلة على شهادة المختبرات الطبية من جامعة البلقاء التطبيقية، وعملت مدة عامين في مختبرات وكالة الغوث، ثم تفرغت لتربية أطفالها فترة من الزمن، وحين قررت العودة إلى العمل في مجال التعليم، حصلت على بكالوريوس الأحياء من جامعة بيت لحم العام 2010، ثم حصلت على ماجستير طرائق تدريس العلوم من جامعة القدس أبو ديس العام 2020.
تنمية الخيال العلمي نحو تعليم مختلف
"رغم ما سبق من مسيرتي التعليمية والعلمية والجامعية، كان الوضع مختلفاً تماماً عند انضمامي إلى "القطان"؛ فقد حصلت على كم لا بأس به من الخبرة الجميلة والجيدة خلال التدريب، حيث كانت تجربة مميزة ونوعية، ساعدتني عباءة الخبير في تطوير مهاراتي بشكل كبير، وبخاصة في تصميم المواقف الدرامية، بما يناسب المادة الدراسية التي لم أختبرها من قبل في تنمية مهارات الطلبة، حيث حققنا الكثير من الأهداف الموحدة التي عملنا على تحقيقها أنا والطلبة معاً، وقد عملت عباءة الخبير على تنمية الخيال العلمي لدى الطلبة، وذلك ضمن المحتوى العلمي المعرفي في الكتاب المقرر"، قالت قراقع.
وأضافت: "علمتني التجربة أن لا نقف بجمود أمام المعلومات المطروحة، بل ننطلق إلى الفضاء اللامحدود في اكتساب المعارف بما يتناسب مع المكان والزمان الذي نريده نحن، ونحب أن نصل إليه في معارفنا، لا يربطنا كتاب أو منهاج أو وقت في سياق تعليمي واقعي نشط، يلعب فيه الطلبة دور الخبراء والمختصين للوصول إلى الحقائق المعرفية".
وبحسب تجربة المعلمة خلال مشاركتها في مسار التعلم عبر المشروع، فإن التعليم يجب أن يكون حباً وشغفاً، ويتجاوز القشور إلى الأعماق، وأن لكل طالب كياناً مستقلاً بذاته، له أفكاره وعقليته وعواطفه ومشاعره التي يجب علينا تعزيزها.
وأوضحت أنها اكتسبت الكثير من المهارات، وأيقنت أن التعليم يجب أن يحتوي الكثير من المتعة الجادة والأريحية المنضبطة التي تجعل الطلبة يفكرون وينتجون ويشاركون زملاءهم نتاجات تفكيرهم ويحاورونهم ويناقشونهم".
وحول مدى الفائدة من محتوى عباءة الخبير وأهميتها، قالت قراقع: "إنها بيئة تعلم استثنائية نشطة، غنية بالمؤثرات والمثيرات الجاذبة التي تزيد دافعية الطلبة نحو التعلم، حيث تعمل على تنمية مهارات التفكير، لأنها تتطلب منهم التعبير عن أفكارهم وبتركيز، إضافة إلى نواتج هذا التفكير التي يجب أ، يطرحها ويعرضها الطالب أمام زملائه".
عباءة الخبير.. استحضار الواقع بروح الفريق
وأوضحت المعلمة المتدربة سابقاً، والمدربة المساندة للمرحلة الثانية، أن مدربي "القطان"، قدموا نمطاً مغايراً في التعليم، حيث تم الغوص في أعماق المعارف من جميع الجوانب المعرفية والاجتماعية والقيمية والتراثية حول الموضوع المدروس، بطرق تواصل غير تقليدية. وقالت: "كانوا خير مرشدين خلال التدريب الذي لم يكن سهلاً حقاً، والذي استمر أكثر من عام ونصف، وقد تعلمت خلاله كيفية توظيف عباءة الخبير، والتخطيط لأنشطة التعلم التي تجري خلالها، وكيفية ربطها بمهارة خلال معارف الكتاب المدرسي، والأكثر من ذلك تعلمت التأمل في هذه الخبرة وقراءة ما وراءها".
وعن مرحلة التنفيذ العملي في المدارس، أكدت قراقع، أن البداية كانت صعبة للغاية في التنفيذ، ولكن بالتعاون مع المدربين والمتابعة المستمرة، أصبح الأمر أكثر سهولة، فيما بعد أصبحت الأفكار تتدفق لتصميم عباءات جديدة لمواضيع الدروس المتتابعة لتطبيقها مع الطلبة.
وقالت: "عباءة الخبير ناسبتني كمعلمة علوم تماماً، وناسبت طلبتي، قدمنا المفاهيم العلمية في سياقات واقعية، يكون فيها الطلبة هم الخبراء الباحثون عن المعارف والحقيقة المندمجة بالقيم المجتمعية والأخلاق. ومن الأمور التي لاحظتها بوضوح على طلبتي اختفاء المشاكل السلوكية والخلافات والمشاحنات بينهم، وتطور مهاراتهم في عرض المعلومات، واتصالهم وتواصلهم بشكل ملحوظ ، لا بل تحولت ألفاظهم إلى التهذيب وفيها الكثير من الاحترام والصبر، وقد كنت قد صممت ثلاث عباءات متنوعة هي (الفطريات، والجهاز الدوراني، وفي مختبرنا بركان نشيط).
وعن طبيعة هذه التجربة، أوضحت أنه خلال التخطيط والتنفيذ كان هناك تلامس حقيقي واقعي لموضوعات التعلم، وهذا الذي يعد تعلماً حقيقياً ذا معنى، حيث استحضر الطلبة معلوماتهم السابقة وتم ربطها بمشكلة التعلم الحالية للوصول إلى الحلول، وكان الطلبة يعملون في إطار الفريق الواحد المتكاتف المتعاون في مجموعات تعلمية، حيث الحماس في العمل، وارتفاع الدافعية للتعلم هو عنوان هذه التجربة التعليمية الجديدة، يخرج الطلبة ما لديهم من أحاسيس وأفكار وهوايات، حيث تعرفت على هوايات وميول طلبتي التي لم أكتشفها، ولم ألاحظها قبل تطبيق عباءة الخبير، مثل التمثيل، والخطابة، والرسم، وإنتاج الفيديوهات، والتصميم الجرافيكي، وغيرها من المهارات الرائعة.
وقالت قراقع: "الأعراف التي استخدمناها ساعدت كثيراً على الانخراط في دور فريق الخبراء وفهمه. لأول مرة في تاريخي المهني استخدم لغة الجسد في التعليم، وتأكدت حينها أن المعلم البارع هو الذي يوظف جميع الموارد المتاحة ويستثمرها في التعليم، وقد فاجأني مدى تنوع وإتقان مخرجات التعلم التي جاءت في نهاية المهمات المطلوبة".
وأضافت: "لقد زادت قدرة الطلبة على البحث والاستكشاف وطرح الأسئلة، ما دفعهم إلى الوصول إلى أعلى مستويات التعلم خلال عملهم على المهمات القصيرة المنوطة بهم، والمشكلات المطروحة لحلها".
وتابعت: "أبهرتني نواتج التعلم التي أثمرت عنها العباءة؛ مثل الأفلام التعليمية، والندوة التثقيفية، ومجسمات القلب بأنواعها وأشكالها المتعددة، إضافة إلى أن قدرة الطلبة على البحث والاستقصاء ارتفعت، حيث إن فريق الخبراء يحددون المشكلة، ويجمعون المعلومات، ويفترضون الحلول، ويسعون إلى الوصول إلى النتائج، وتصميم المخرجات وتنوعها وعرضها في جو بعيد عن التعليم التقليدي والحفظ والتلقين".
وبينت أن طريقة طرحهم وتفكيرهم ونتاجاتهم ورسوماتهم التي نفذوها خلال تطبيق أنشطة العباءة كانت مبهرة، وكانت تساعد الطلبة بإضافة الدرجات التي تعوض النقص الحاصل في اختباراتهم التحصيلية لرفع تقديرهم الأكاديمي.
وشددت على أن العمل بروح الفريق، ومع عباءة الخبير، والتجربة، ساهم في نشوء علاقة من الحب والاحترام بينها وبين الطلبة، جعلتهم يلتزمون بالحصص والتطبيقات، ويبادرون في إنجاز الأنشطة وإحضار مستلزماتها، وأثر ذلك إيجاباً على علاقتها بأولياء الأمور الذين استحسنوا تطبيق استراتيجيات جديدة في تعليم أبنائهم، مؤكدين أن ذلك زاد من اهتماماهم وحرصهم في مادة العلوم، راجين، في الوقت ذاته، أن يحذو المعلمون الآخرون حذو مادة العلوم، لتزيد دافعية أبنائهم وحماسهم للتعلم".
وحول النتائج، قالت قراقع: "ارتفعت معنوياتي للسماء عندما سألني طالب ضعيف التحصيل عندما طبقنا عباءة "في مختبرنا بركان نشيط": هل هناك زلازل على سطح القمر؟ إذا جميع الاستراتيجيات التي نطبقها مع طلبتنا تهدف أساساً لتنمية التفكير، وهذا الذي حصل، إذ إن هذا السؤال لم يخطر على بالي أنا قبلاً، ما جعلنا نبحث عن إجابة لهذه المعلومة، وكم كانت سعادتي غامرة عندما توصلنا إلى أن الأقمار الصناعية رصدت هزات على سطح القمر".
وحول رسالتها لزملاء وزميلات المهنة، شددت قراقع على ضرورة الابتعاد عن التعليم التلقيني التقليدي الذي يعمل على وأد الخيال والإبداع، ويدفن شخصيات الطلبة قبل أن ترى النور، وقالت: "عندما تلقيت التدريب في مؤسسة القطان أيقنت أن المعلم يجب أن يعاهد نفسه على التطوير والتدريب بشكل مستمر لا يتوقف. فلكي تكون معلماً حقيقياً، يجب أن تطلع وتمارس تجارب ومهارات جديدة.
يذكر أن مؤسسة عبد المحسن القطان، بالتعاون مع مؤسسة دروسوس، ووزارة التربية والتعليم، كانت قد أطلقت منذ عامين تقريباً مشروع "طفل مبدع .. مستقبل مشرق"، ضمن ثلاثة مسارات تعليمية، هي: مسار "الدراما في التعليم"، الذي يستهدف معلمي المرحلة الأساسية العليا والثانوية، مسار "الطفولة "المبكرة"، الذي يستهدف مربيات رياض الأطفال ومرحلة ما قبل المدرسة، مسار "التعلم عبر المشروع" الذي يستهدف معلمي العلوم والتكنولوجيا والرياضيات للمراحل الأساسية من الصفوف من الخامس إلى العاشر.