بات معروفاً في عالم اليوم أن إمكانيات بسيطة قد تصنع فرقاً كبيراً. وبات واضحاً أثر انتشار بعض الأدوات العادية، ككاميرا المحمول، بين أيدي الكثيرين وتوظيفهم لها في التعبير عن أنفسهم ونشر أخبارهم للعالم. ولا يقتصر ذلك على المحتجين في الشوارع، وإنما يشمل أيضاً الطلاب في صفوفهم وفي "صراعهم" اليومي مع الكتب الدراسية، وتوقهم إلى وسائل جذابة وغير تقليدية تساهم في نموهم وتُغذي مواهبهم.
"اليوم أصبح بمقدور الأطفال أو الطلاب، بكاميرا متواضعة جداً، وجهاز حاسوب عادي، أن يعبروا عن أفكارهم، ويحولوها إلى أفلام، وينشروها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك واليوتيوب"، يقول وسيم الكردي، مدير برنامج البحث والتطوير التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان، على هامش دورة تدريبية نظمها المركز لمجموعة من المعلمين وطلبة المدارس بعنوان "إحياء الدمى في التعليم".
ويشير كفاح فني المشرف على المشروع من بداياته إلى أن "إحياء الدمى في التعليم" هو برنامج يستهدف تدريب المعلمين والطلاب وتطوير قدراتهم حول كيفية إنتاج أفلام تربوية وتعبيرية قصيرة باستخدام المعجون (الملتينة) والكرتون، حيث تنبع أهميته مما للفنون في التعليم من دور في خلق عملية تعليمية متوازنة، تجمع ما بين المعارف التقنية والنظرية من جهة، وتنمية الخيال والعاطفة والمهارات الاجتماعية كالحوار والمشاركة من جهة أخرى. وإحياء الدمى في التعليم يغطي مجالاً واسعاً يبدأ من المهارة اليدوية، وينتهي بعملية الخلق الإبداعي، وهذا الطيف الواسع يجعل من إحياء الدمى فاعلية تناسب الفئات العمرية كافة، وبمستويات متعددة، ما يجعلها إطاراً مناسباً لتخطيط تعليم ينمّي المهارات، أو عمل ضمن مشروع يكون فيه الطالب متعلماً ومنتجاً للمعرفة في آن.
"لم أعر الموضوع أي اهتمام. قلت في داخلي: من المستحيل أن أتمكن من عمل كهذا (إنتاج فيلم)، لكن موقفي تغير تماماً بعد أول فيلم شاهدته، وجذبني هذا المجال". هكذا وصف محمد نخلة، الطالب في الصف العاشر من مدرسة الأمير حسن، ردة فعله عندما سمع ببرنامج إحياء الدمى في التعليم لأول مرة.
أول فيلم أنتجه محمد كان عن الشخصية الكرتونية المعروفة (SpongeBob)، لكنه سرعان ما وظّف المهارات التي تعلمها خلال التدريب لتذليل صعوبات واجهته في فهم المنهاج الدراسي. "أنا غير صبور بطبعي، ولا أقدر على الحفظ، لكن كان عليَّ حفظ قصيدة شريعة الغاب للشاعر أحمد شوقي لامتحان اللغة العربية. فقمت بتحويلها إلى فيلم صور متحركة بالصوت والصورة، وبذا نجحت في حفظها". وحين جاء وقت الامتحان، لم يمسك محمد الكتاب ليحفظ القصيدة ويكررها، بل اكتفى بمشاهدة فيلمه لترسيخ تسلسل الأحداث وصور الشخصيات في ذهنه. وعلى ورقة الامتحان، استحضر المشاهد التي عمل عليها وخطّها نصوصاً للقصيدة.
طالبات مدرسة بنات الشيخ سعد، عبّرن كذلك عن سعادتهن بالاشتراك في هذا المشروع. وقالت الطالبة تالا علان: "هذا المشروع كشف مواهب الطالبات داخل غرفة الصف كالكتابة، والرسم، ومهارات الصوت والتكنولوجيا. فتعلمنا كيف نصنع معاً فيلماً ذا معنى من الكرتون والمعجون. والجميل أننا لم نعد مجرد متفرجين على أفلام الكرتون في التلفاز فحسب، بل منتجون لها أيضاً".
إضافة إلى أهدافها المعرفية والتربوية، فإن دورة "تحريك الرسوم في التعليم" تساهم في رفع مستوى التذوق الفني لدى الطلبة، وتزيد من تقديرهم للفنون وتأخذهم إلى آفاق جديدة. "أحدث لدي هذا التدريب فرقاً في فهم المعلومة في المدرسة، وساعدتني الأفلام التي أنتجناها على فهم ما نتعلمه في العلوم، واللغة العربية، كما أنها أوحت لي بالتخصص في هذا المجال، وجذبتني نحو فن التمثيل". يقول الطالب أحمد خليل عليان من مدرسة الأمير حسن، الذي سجل تميّزاً ومثابرة في مشروع إحياء الدمى في التعليم، إذ تعدى اندماجه في المشروع حدود المدرسة، وأصبح منشغلاً بإنتاج الأفلام مع شقيقه محمد في أوقات الفراغ في بيتهما.
بعد انتهاء عطلة صيف 2011، عاد أحمد إلى مدرسته بفيلمين قصيرين قام وشقيقه بإنتاجهما، وعرضهما برنامج البحث والتطوير التربوي في حفل اختتام المرحلة الأولى من المشروع في كانون الأول العام 2011، بحضور 400 من المعلمين والطلبة من المدارس المشاركة في المشروع، وحازا إعجاب الكثيرين وتقديرهم. يقول أحمد: "قبل خوض التجربة حسبت أن هذه الدورة فرصة للتسلية لا أكثر، ولكن بعدها اكتشفت أنها وسيلة رائعة للتفكير والتخطيط والتعبير عن نفسي، وعن مجتمعي والمشاكل التي أراها حولي، وتساعدني على تحويل الأفكار الجامدة في الصف إلى أفلام يفهمها الجميع".
وفي السياق ذاته، لفت الكردي إلى مراحل وتجارب تعلّمية مهمة يمر بها الطلبة خلال عملهم على المخرج النهائي على شكل فيلم، ويقول: "يمر الطلبة بعملية متكاملة من مراحل عدة، أولاها التفكير، ثم التخيل، ثم التجريب، وهذا يتضمن استعمال الطلبة حواسهم كافة. وبالتالي، فإن العملية لا تقتصر على الإنتاج فحسب، بل هي تعبير وتخطيط كذلك".