بحثت إحداهن عن "ثوب جدتها" ولم تجده بعد، وأخرى صارعت البقاء وجسدت هويتها بالانتماء، أما الثالثة فقد تنقلت بـ"كرة القش" بين العامة لتروي معاناة "النقب الفلسطيني"، فيما تسلقت الرابعة مقاعد الدراسة لتتحدث عن تجربتها في قطاع التعليم، أما الأخير فقد تعمق في عالمه الفني برسم لوحات تُعبر عن مشروعه الذي أسماه" ظاهر باطن".
هم طلبة كلية الفنون في جامعة النجاح الوطنية الذين بدأوا، مؤخراً، مرحلة الإنتاج لتنفيذ مشاريعهم بشكل عملي باستخدام أدوات فنية وتقنيات حديثة (التصوير والمونتاج، والتسجيل) داخل مبنى مؤسسة عبد المحسن القطان، بإشراف الفنان التشكيلي رأفت أسعد، بعد أن خاضوا خلال مراحل سابقة من تنفيذ المشاريع عملية البحث المجتمعي وتجميع المواد البصرية والسمعية، بجانب محاورة المجتمع والاشتباك معه فنياً ومجتمعياً للتعرف على أبرز قضاياه.
وقال أسعد أثناء مشاركته الطلبة تنفيذ مشاريعهم عملياً: "انتهينا من مرحلة البحث لننتقل إلى مرحلة الإنتاج التقني بتصوير وتسجيل الأعمال ضمن سياق معين، وذلك لتجهيزها وعرضها أمام الجميع داخل حرم الجامعة، وتشجيع الطلبة الآخرين على الانخراط في المشروع"، مشيراً إلى أن زاوية المعرض ستكون مميزة و"غير تقليدية" وتسمح للجميع بالمشاركة والتفاعل.
وقد ساقهم شغفهم الشبابي وحسهم البحثي لطرح قضايا اجتماعية وثقافية مُغيبة وترجمتها على هيئة مشاريع متميزة توصلهم إلى مرحلة التخرج، من خلال انخراطهم في مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية" المنفذ من قبل وحدة التكون التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان، بدعم مشارك من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC)، وبالتعاون مع كلية الفنون التشكيلية في جامعة النجاح الوطنية.
وخلال مراحل تنفيذ المشروع الذي بدأ العام الماضي، عمد مجموعة من الباحثين في "القطان"، وأساتذة من قسم الفنون التشكيلية، بناء على مذكرة التفاهم الموقعة بين جامعة النجاح الوطنية ومؤسسة عبد المحسن القطان، على بناء الأفكار الأولية لمشاريع تخرج طلبة السنة الرابعة في الكلية في موضوع "الفنون في السياق الاجتماعي"، وتطويرها وتنفيذها كأعمال فنية وبصرية على أن يتم عرضها في معرض فني من إنتاجهم داخل الجامعة لاحقاً.
في السياق ذاته، قال أسعد: "هدفنا إيجاد الفعل الاجتماعي الحقيقي وليس المُتخيل، من خلال إنتاج الطلبة مواد تحاكي الواقع وتعكس قضايا مجتمعية بمشاركة الحيز العام والاشتباك معه في عملية البحث والحوار، باستخدام الفن كأداة للتعبير عن واقع حقيقي وليس افتراضياً".
بدورها، قالت الطالبة إيزيس محاجنة (24 عاماً) من أم الفحم، في سياق حديتها عن مشروعها "أنتِ مي" الذي يدور حول صراع الهوية لدى فلسطينيي الداخل: "نقلت تجربتي وتحدثت عن الصراع والتناقضات التي أعيشها داخل بلاد محتلة، تارة التضامن مع القضية، وتارة أخرى نتحدث عن التعايش مع المحتل، وأتساءل من أنا؟ وما هي هويتي في ظل وجود محتل إسرائيلي؟".
وأوضحت محاجنة أنه خلال عملية بحثها عن زعزعة الهوية أجرت 30 مقابلة غير مباشرة مع فتيات فقط من مناطق مختلفة في الداخل المحتل؛ بهدف التعرف على أفكارهن وآرائهن تجاه تعريف أنفسهن وهويتهن، حيث سيتم تجسيد تلك الشخصيات من خلال أسلوب فني تقوم به. وقالت معلقةً "لم يتشابهن في الهوية رغم انتمائهن للمكان نفسه".
أما الطالبة أفنان عقاد (25 عاماً) من جت-المثلث، فقد تحدثت في مشروعها (رحلة البحث عن ثوب جدتي) عن تراجع ثقافة ارتداء الزي الفلسطيني واقتصاره فقط على المناسبات، وبصوتها الجميل أعادت إحياء ذاكرة ثوب جدتها.
وقالت عقاد التي تعمقت في البحث عن معلومة تقودها إلى الثوب: "ما زلت أبحث عن ثوب جدتي الذي كنت أرتديه منذ صغري، وعندما سألت أمي عنه قالت طلعتوا ...".
أما "كرة القش" فقد أمسكت بها الطالبة مريم جبارين من أم الفحم ضمن مشروعها لتجوب بها النقب الصحراوي، حيث حظر البناء، ونقص في الخدمات وأبسط مقومات الحياة فيها، لتضعها ضمن عمل أدائي فني يعكس قضية المكان، ويعبر عن واقع تعيشه جبارين.
وقالت جبارين: "وجدت كرة القش وأنا خارجة من المنزل والرياح تجوب بها المكان، وكأنها قادمة من الصحراء إلى المدينة للبحث عن مأوى"، مشيرةً إلى أن الكرة هي أداة لخلق حوار مع المجتمع.
أما الطالبة ريم عموس (23 عاماً) من طولكرم، فقد جلست على "المرجوحة" كما أسمتها ضمن مشروعها لتجسد تجربتها المدرسية، حيث انحسار التعليم داخل غرف صفية وضمن مناهج معينة دون إكساب الطلاب أي خبرات إضافية لا منهجية.
وقالت واصفةً الدلالة الرمزية لـ"المرجوحة": حركتها تدلل على التكرار والملل، وهكذا هو التعليم، تكرار للمعلومات ذاتها والاعتماد على أسلوب التلقين والحفظ".
كما تحدث الطالب حسن صندوقة (23 عاماً) من القدس، في مشروعه الذي أطلق عليه اسم "ظاهر باطن"، عن الأثر الخفي النفسي والجسدي الذي تتسبب به مخاطر مشاهدة الأفلام الإباحية، وتحديداً في نفوس فئة الشباب والمراهقين منهم، لاعتبارها محفز غير عادي للعقل البشري، حيث سيتم تجسيد فكرته عبر لوحات فنية تعكس "باطن" الوجوه وما يدور من حرب نفسية داخله.
وقال: "الفكرة جاءت من البحث والتجربة، حيث يعيش المشاهد صراعاً ذاتياً بين الواقع وما يشاهده عبر الفيديوهات الإباحية، هو رصد للواقع ومعالجته".