غزة: مشروع "سينما الشارع" في حيي الدرج والتفاح يعيد الاعتبار لثقافة "مُغيَّبة"

الرئيسية في القطان الأخبار غزة: مشروع "سينما الشارع" في حيي الدرج والتفاح يعيد الاعتبار لثقافة "مُغيَّبة"

لا تقتصر أهمية السينما كلغة فنية في تعبيرها عن حال الناس، أو حملها مضامين تسلط الضوء على قضايا مجتمعية معينة فحسب، إنما تمتد لتشمل الدور الذي تلعبه بالتأثير في حياة المتفرج، وهنا لا نتحدث عن النصائح التي قد تقدمها، إنما طرق الرؤية الجديدة والمختلفة التي تساهم، بشكل غير مباشر، في فتحها أمام الجمهور، وفتح أفقهم عليها، بما تقدمه من عوالم وحيوات أخرى لم يعيشوها، معطية الجمهور فرصاً لسبر معانٍ جديدة، وفرصاً لأن يروا أنفسهم من منظور مختلف، وربما أن يروا العالم بشكل جديد.

 

إيماناً بهذه الرؤية، يحاول مشروع "سينما الشارع" الذي انطلق في تشرين الأول من العام 2021 في حيي الدرج والتفاح في مدينة غزة، أن يوظف السينما كأداة فنية ذات دور فاعل في التأثير في المجتمع، من خلال تطويعها لتلعب دورها في التغيير، ورفع الوعي، عوضاً عن دورها في تعميق حرية التعبير عن الرأي.

 

ويستخدم المشروع السينما والمسرح ويوظفهما في سبيل تعزيز المشاركة المجتمعية والنقاش الذي يهدف إلى إحداث حراك يلبي احتياجات المجتمع وتطلعاته.  وقد نفذ المشروع، في هذا السياق، سلسلة من عروض الأفلام الاجتماعية والثقافية التي تم تقديمها في مساحات مفتوحة، خالقةً بذلك مساحات ثقافية بين البيوت في الحيين.

 

يقدم مشروع "سينما الشارع" عروض أفلامه في الفضاءات العامة والمفتوحة، مخرجاً إياها من صالونات العرض إلى الشارع، لتحتك بشكل مباشر مع سكان المنطقة، وتخترق بشكل عضوي حياتهم اليومية، لتصير جزءاً من ممارساتهم بعد أن غُيبت السينما عن غزة لسنوات، مستعيدة العروض السينمائية بكل ما تحمله من طقوس وتقاليد وعادات، وأخيراً بكل ما تحمله من مشاعر، معطية الأهل والأبناء فرصة التعرض لهذه الثقافة، لكن خارج قوالبها المعتادة، كأداة مساهمة في طرق أبواب معارف متنوعة للأجيال المختلفة.

 

يأتي المشروع، أولاً، إحياءً لفعل ثقافي تم تهميشه، ومحاربته لسنوات، فقد عانت دور السينما في غزة من كثير من الضغوطات، فبعد أن شهدت ازدهاراً في الخمسينيات من القرن الماضي، تغير حالها مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، بتغير أولويات العيش، ما أدى إلى إغلاقها وعدم الاكتراث لوجودها حتى يومنا.

 

يقول منسق المشروع عبد الرحمن حسين بهذا الخصوص: "نسعى من خلال مشروع سينما الشارع لمقاربة محاكاة افتتاح دور سينما في غزة نظراً لعدم وجودها بالأساس، بالتالي يسعى "سينما الشارع" إلى خلق بديل يشجع ثقافة الذهاب إلى السينما؛ كون الأفراد في القطاع لم يحظوا بتجربة حقيقية في هذا السياق، ويحاول "سينما الشارع" جاهداً عرض نموذج الأفلام الاجتماعية والثقافية والأنميشن التي تطرح سرديات تعكس نماذج الواقع الاجتماعي والتاريخ، وتسليط الضوء على قضايا ومشاكل شرائح إنسانية مختلفة ومتنوعة".

 

وإلى جانب عمل المشروع بشكل مركزي على توظيف السينما لإثارة نقاشات مجتمعية، وفي سبيل الإضاءة على القضايا التي تشغل المنطقة، نفذ فريق المشروع مجموعة من التدريبات والمسارات التي تهدف إلى دعم فئة الشباب وتمكينهم للمشاركة في صناعة القرار، من خلال تعريفهم على أدوات البحث، وتعريضهم لمفاهيم مثل "الحقوق، والمناصرة، والاتصال والتواصل، والمشاركة المجتمعية"، إلى جانب تنفيذ مسارات أخرى حول القيادة والتفكير الإبداعي.  وقد كان لهذه التدريبات الأثر الكبير على مشاركة هذه الفئة العمرية في الفعل المجتمعي، بحيث أرفدت تنفيذ بحث مجتمعي في أحيائهم ومناطق سكنهم، بحيث استطاعوا أن يوثقوا قضايا عدة تهمهم، والعمل على وضع خطط لتوجيه النظر نحوها وبحث سبل حلها.

 

هذا، وقد شكل الشباب المتطوعون لب وجوهر كافة المبادرات والأنشطة والحوارات التي ينفذها مشروع "سينما الشارع" في المنطقة، وقد ترك هذا الفريق انطباعاً إيجابياً من خلال الأنشطة المتميزة التي قام بتنفيذها والجهد الإداري المساند لفريق إدارة البلدية، وهذا ما بنى حالة من الثقة بين الفريق وصناع القرار في البلدية، لتقوم البلدية باعتماد فريق سينما الشارع كحلقة اتصال توكل إليه مهمة التنسيق لتنفيذ أنشطة مجتمعية ما بين المبادرين من مؤسسات المجتمع المدني وبلدية غزة.

 

ما يميز مشروع "سينما الشارع" استخدامه أدوات مختلفة، تحاكي كل منها فئة معينة، مؤديةً إلى خلق حراك مرئي بشكل واضح في المنطقة، ما شجع أناس أكثر للانخراط في الفعل الثقافي المجتمعي، عوضاً عن إشراك الأهالي في الأنشطة كافة التي قام بتنفيذها والتخطيط لها؛ سواء كانت الجلسات الحوارية أو التدريب، أو عروض السينما الداخلية والخارجية، ما خلق ثقة بين السكان وفريق المشروع، إلى جانب بناء شعور بالانتماء لهذا الفعل المبادر.  وقد قام المشروع منذ بدايته بالاطلاع على التجارب المختلفة التي تنفذها المراكز في المنطقة، للمراكمة على مشوارهم، والوصول إلى فهم أوسع وأعمق للسكان واحتياجاتهم، وعمل المشروع على تنفيذ جلسات حوارية تستهدف مجموعات مختلفة، منها ما استهدف وجهاء العائلات، وفي هذه الحوارية تحديداً تم نقاش دور مركز هولست الثقافي (وهو مسرح ثقافي تم ترميمه وتهيئة صالة العرض فيه لتصبح أكثر جذباً ومواءمةً لاحتياجات الأنشطة والعروض، ضمن المشروع، كدعم لوجوده كفضاء اجتماعي تفاعلي، ما زاد من اهتمام البلدية به كمركز ثقافي، لتطلق بدورها تبعاً مشروعاً لترميم المركز بجميع مرافقه)، وحواريات أخرى استهدفت سيدات الحي، وتمت فيها مناقشة مفهوم المسؤولية والمشاركة المجتمعية، وقد نفذ، أيضاً، أياماً ترفيهية لأطفال الحي، وعروض أفلام في الشارع استهدفت أهالي الحي كافة.

 

يلخص حسين المشروع مشيراً إلى خصوصية منطقة حيي الدرج والتفاح بقوله: "يعد حيّا الدرج والتفاح من المناطق المهمشة والأكثر ازدحاماً بالسكان في قطاع غزة، وقد حاول الفريق فهم طبيعية وديمغرافيا السكان بشكل أساسي، وإشراك الأهالي بالأنشطة كافة التي يتم تنفيذها، سواء كانت الجلسات الحوارية، أو التدريب، أو عروض السينما الداخلية والخارجية".

 

وأضاف: "هناك ضرورة لبدء إطلاق مبادرات شبابية للنهوض بالمنطقة، وهو ما نحاول دعمه في المشروع، من خلال تطوير قدرات السكان وتمكينهم من أدوات تساعدهم على اكتشاف قضاياهم ومشاكلهم بهدف معالجتها".

 

وأشار إلى أن "مشروع سينما الشارع قد اختتم دون أن ينتهي، فما زال يخطو للمستقبل بتقديم ورقة تطالب بتحسين منتزه الصداقة "المحطة"، الذي يعتبر متنفساً ومكان اللقاء الوحيد لأهالي المنطقة، وفسحتهم للتنزه، إلى جانب تأسيس نادي قراءة مجتمعي في مكتبة مركز ومسرح هولست الثقافي، عوضاً عن تأهيل وتفعيل كل من مكتبة المركز، وغرفة الموسيقى، وصالة الألعاب الرياضية".

 

يذكر أن مشروع سينما الشارع، ينفذ بدعم من مؤسسة عبد المحسن القطَّان، ضمن الدورة السادسة من مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية"، وبتمويل مشارك من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC).