غزة: يافعون يعيدون تفكيك سؤال "الشوارع لِمنْ؟!" ضمن مشروع للتفكير النقدي القائم على المكان

الرئيسية في القطان الأخبار غزة: يافعون يعيدون تفكيك سؤال "الشوارع لِمنْ؟!" ضمن مشروع للتفكير النقدي القائم على المكان

من الذي يسمّي الشارع؟ ولمن الشارع بالأساس؟ وهل من المهم أن تسمّي الناس الشوارع؟ وكيف يمكن احتلال الأماكن والناس عبر تسمية شوارعهم، وعبر اختيار موقعها وشكلها واتساعها؟ وهل الشارع كمكان هو للسيارات فقط؟ وماذا يمكننا فعله كسكّان في شوارعنا؟

لدى تأمّل صورة فوتوغرافية قديمة التقطت إبان الحرب العالمية الأولى، لشارع عمر المختار الرئيسي في مدينة غزة، يبدو فيها قد تمّ تدمير معظم ما فيه من بنايات ومعالم، طالت قبّة الجامع العمري الشهير بالمدينة، جرّبت مجموعة من اليافعين المنخرطين في مشروع للتفكير النقدي القائم على المكان، إعادة التعرّف على هذا الشارع الذي يقبع قريباً من أماكن سكناهم، فطرحوا أسئلة حول قصة الشارع، وناقشوا ما حدث فيه في تلك الفترة، وبحثوا أسباب شقّ شارعٍ واسعٍ في مدينة غزة بينما لم تكن هناك كثافة سكانية وقت شقّه، ومن الذي قرّر شقّه، ولماذا وكيف تغيّرت مسمّياته من الشارع الكبير إلى شارع جمال باشا إلى شارع عمر المختار، وجرّبوا التفكير في مدى ارتباط الشارع بالاستعمار وغاياته بهدف الاستيلاء على المكان، بدءاً من التفكير بشقّه وتسميته إلى تحديد معالمه وتغييرها.

وقامت المجموعة بنشاط قارنت فيه صورة الشارع في أذهانهم بصورة الحارة، وتناولوا معنى الشوارع وما تمثّله للناس، وما قد يغيب عنهم حالياً، فوجدوا اقتراب مفهوم الحارة أكثر من تصوّراتهم حول القرب الاجتماعي ومعرفة الناس لبعضهم البعض، وارتباطهم بعلاقات وثيقة وشعورهم بملكية المكان، بينما تقترب صورة الشارع أكثر من السيارات والمحال التجارية والضوضاء والتلوث وعدم الشعور بالانتماء بشكل كبير للمكان.

كما تساءلت المجموعة عن تسمية الشوارع ومن يسمّيها؛ هل هم الحكام أم الناس؟ وهل ينبغي وجود سلطة ما لتسمية أيّ شارع؟ وحول ضرورة إطلاق أسماء شخصيّات بذاتها على الشوارع، سواء أكانت اجتماعية أم سياسية أم نضالية أم استعمارية، لاختلاف الناس في توجهاتها ومشاعرها نحو تلك الشخصيّة، حيث قال الطالب محمود غزال: "الاسم صحيح أنه يعطي هويّة، لكن ممكن له إعطاء هيبة للمكان مثلما نقول "عمر المختار"، ويمكن أن يسبّب السيطرة والهيمنة، مثلاً حين نسمع باسم الشارع الأسبق لعمر المختار وهو جمال باشا، وهذا الشخص يُعرف أيضاً بالسفّاح".

كما رأت المجموعة أنّ الشوارع حالياً ليست للناس ولا تسمّيها الناس، وشكّكوا إن كان الناس يشعرون بأنّ الشارع ملكٌ لها، رغم أنها تمضي حياتها فيه.

كما ناقشوا كيف يمكن معرفة الشوارع وإدراكها، فعبّر أحمد أبو طوق عن وجهة نظره بأنّ "الشوارع تشبه البشر، ولها هويّة مثلنا نعرفها عن طريق التعرّف عليها وعلى حياة الناس فيها، وأذكر أني قرأت قصة على مواقع التواصل الاجتماعي عن امرأة تعرّفت إلى بيتها الأول من الشجرة التي تجاور البيت ولها قصّة معها".

ورأى صهيب حميد أنّه "يمكننا، أيضاً، التعرف على الشوارع، وكيف كانت الحياة فيها، من بقاياها أو مما كان سابقاً وأزيل؛ مثلاً أثار انتباهي حكاية ذلك المستشفى الذي أزيل من شارع عمر المختار، وحل مكانه عمارة تجارية، ولديّ فضول لمعرفة كيف ومن أزاله، ولماذا بني مكانه ذلك المبنى، وهل اختار الناس هذا الأمر؟".

وعملت المجموعة على تقصّي صور فوتوغرافية أخرى للشارع نفسه في فترات زمنية لاحقة، دفعتهم للتساؤل عن التغيرات التي حدثت للمدينة عبر الزمن، وقرّروا حمل ملاحظاتهم وأسئلتهم والصور الفوتوغرافية القديمة والتوجّه نحو شارع عمر المختار في جولة جماعية، للتعرّف على الشارع بمنظورات جديدة، حيث صادفوا بعض الأشخاص ممّن استطاعوا التعرّف على بعض المعالم في تلك الصور، وتحدثوا معهم حول ما قد يذكرونه أو يعرفونه، ما لفت انتباههم إلى أهميّة إعادة اكتشاف الشوارع التي يعيشون فيها، وما يمكنهم تعلّمه عبرها وفيها.

جدير بالذكر أن هذه الأنشطة تأتي في إطار مشروع تجريبيّ بعنوان "سَكَن: التعلّم النقدي القائم على المكان"، تعمل عليه وحدة التكوّن التربوي في برنامج الثقافة والتربية بمؤسّسة عبد المحسن القطان ضمن أنشطتها في غزة، وتتابعه الباحثة علا بدوي مع معلّمين ومعلّمات وطلبة، من ضمنهم مجموعة من طلبة مدرسة يافا الأساسية للبنين ومعلمهم هاني المبحوح.

ويهدف المشروع إلى استكشاف وتفكيك طرق المعرفة التي تنشأ في أماكن محدّدة وتنبني عليها، وكيف تؤثّر هذه المعرفة في الناس ويؤثّرون فيها، وكيف يتم استغلال الأماكن والبشر، وكيف يمكن تحديد أيّ القصص والممارسات والتوجّهات التي نحتاج لتفكيك استعماريّتها في أماكننا، وتلك التي نحتاج للحفاظ عليها أو التدخّل فيها.

____________________________________

التقط صور الأنشطة المتطوّع عبد الحيّ معتصم الحسيني.