ماذا يعني أن تكوني معلمة أطفال؟ أنه الـ"لا" والشغب! | سعاد شواهنة

الرئيسية في القطان الأخبار ماذا يعني أن تكوني معلمة أطفال؟ أنه الـ"لا" والشغب! | سعاد شواهنة

ماذا يعني أن تكوني معلمة أطفال؟ أنه الـ"لا" والشغب!

سعاد شواهنة - جنين

 

في عنوان قصتي هذه، كنت أفكر أن أقول الـ"لا" والشغف، سيكون هذا موسيقياً وجذاباً، لكن الحقيقة أن اللحظة قررت أن تكون مشاغبة معي كعهدها، وذلك حين قررت خوض تجربة التعليم في رياض الأطفال.  لم أفكر يوماً أن أكون معلمة، فأنا بالكاد أقضي بعض الساعات مع أبناء أخواتي نلعب ونتسلى ببعض الأوراق والألوان، نصنع طائرة ورقية، لا تطير غالباً ... لأقضي باقي الوقت أرمم هذه الخيبة الصغيرة، لكنني بت أدرك أنني لا أعرف الكثير عن نفسي، وإني احتاج إلى خوض تجارب جديدة.

 

إنها تجربتي الأولى في عالم رياض الأطفال ... .

بعد مضي عام توقفت فيه عن العمل، وبدأت فيه عامي الأول في تعليم رياض الأطفال، بعد تجارب تعليم في مراكز تعليمية مختلفة، وجدت نفسي روحاً أخرى تشكلت خلال مسيرة التجربة التعليمية التي تواكبت مع التحاقي بمؤسسة عبد المحسن القطان في برنامج الطفولة المبكرة "طفل مبدع .. مستقبل مشرق".

 

أتذكر اللحظة التي فكرت فيها بالالتحاق في هذا البرنامج، آنذاك كان الطفل عالماً جديداً أجرب استكشافه، وبمرور الوقت عرفت أنه لا يكفي أن أشحذ نفسي بالصبر والأناة، وبطبعي الساكن، عرفت أن عليَّ تطوير لغة ما للتواصل مع الأطفال، ففد كنت أرتبك بوجود عدد كبير من الأطفال في الصف، وبخاصة عندما يتحلق الكثيرون حولي، فكان الأسهل لي أن اختبئ خلف القوانين حتى أشعر ببعض الراحة والقدرة على السيطرة، فأقول اجلسوا ... اهدأوا ... بالدور يا ابني بالدور ... لكن صوتي لم يكن حاداً كما أصوات المعلمات الأخريات، وربما هذه نعمة، لأنني استعضت عن ذلك بالاستماع لكثير مما يفكر به هؤلاء الأطفال، وما يودون قوله لي، وما أكثر ما يحب الأطفال من آذان صاغية تستمع لأحاديثهم دون ملل.

 

أما الشغب الذي كان يحدث داخل الصف، وكان يفترض مني السيطرة عليه، كنت أعتبره صوتهم الحر الذي لم يعرف المعايير والقواعد التي قيدتنا نحن الأكبر عمراً ودجنتنا لنكون أكثر طاعة وأقل شغباً، فالأطفال بصراخهم وشغبهم يقولون لكل شيء لا يحبونه لا، هذه الــ"لا" التي لا نستطيع أن نقولها كثيراً لكل ما لا نريد. هذه الــ"لا" التي تعتبر أداتهم في استكشاف العالم من حولهم.

 

بوعينا كبالغين نحن نخاف كل ما لا نعرف، أما الأطفال فينكبون نحو ما لا يعرفون كأبطال ومغامرين، فيفتشون في صندوق قديم، وخلف الأبواب المغلقة، ووراء الصور، وفي ثقوب الجدران والساحات، يطلقون العنان لمخيلتهم وفضولهم، ويبنون منها قصصاً أكثر إثارة من قصص الكبار.  لذلك كانوا يندفعون نحو كل مشروع جديد أو نشاط درامي أبدأه معهم، وببساطة يقولون " يلا ... بسرعة … بدنا نعرف.. بدنا نكمل" أسمعهم، وثانية أدرك أن كثيراً من الأشياء تحتاج أن أكون لحوحة كما الأطفال.

 

أصغيت جيداً وتتبعت كل الخطى ...

خلال رحلة التعلم التي خضناها مع مجموعة المربيات في لقاءات "القطان"، أصغيت لكل صوت، وتتبعت خطى كل تجربة خضناها أو شاهدناها معاً كمجموعة، لم أفعل ذلك لأنني قليلة الكلام وحسب، بل لأنني حاولت التعلم من كل ما كان يحدث أمامي، فكل ما كنت أراه وأسمعه كان جديداً وغريباً بعض الشيء، لكنه جميل.  استعنت بذلك لأواجه فيه مخاوفي، فلا أتعثر، تعلمت الكثير، لكنني تعثرت، فواجهت خوفي الذي وشوشني قائلاً: ليس مهماً أن يكون صوتي عالياً ... لكن على الحروف والكلمات أن تكون واثقة لتكون واضحة ... وعلى التجربة التعلمية أن تحمل ما هو بجديد ومثير للأطفال.  بهذا، تمكنت من خوض تجارب ومشاريع تطبيقية حملتها في جعبتي من ورشات الطفولة، وذهبت بها الى الصفوف في رياض الأطفال، وأخرى نفذتها ضمن أنشطة في مخيمات صيفية، وبعضها ضمن اللقاءات الإلكترونية مع الأطفال، فأحدثت عندي تحولات كثيرة لم أكن أتوقعها كما لأطفالي.

 

إن مشاركتي في البرنامج التدريبي "طفل مبدع ... مستقبل مشرق"، جعلني أرى وأدرك ذاتي أكثر، وأفهم عالم الطفولة بشكل أعمق.  ففي كل مرة كنت أبدأ فيها مشروعاً ما، كنت أفكر في الآخر "المتلقي"، وأجهد نفسي في التنويع في أدواتي وطرقي، وأبحث في/وعن الكثير من الأشياء التي تدور حولي، وفي رؤوس أطفالي، أفكر فيما يمكنني فعله وقوله، لأجل هذا الآخر المتلقي المسؤولة أنا عنه، الذي يتوقع مني الكثير، فكنت في أحيان كثيرة أنجح، وفي أحيان أخرى أقل أتعثر فأتعلم وأنهض من جديد.

 

لقد كان لهذا البرنامج أثر واضح على تجربتي، من خلال مبادرة نفذتها نهاية العام الماضي مع الإغاثة الطبية، حيث أصغيت حينها لذاتي، فكان توظيف الدراما والخيال في الكتابة والرسم أدوات لمواجهة ارتدادات الحروب النفسية على المشاركين، كما وظفت العديد من الاستراتيجيات والألعاب الدرامية التي تعلمتها وسجلتها في دفتر ملاحظاتي التي أعود إليها في كل مرة أوشك أن أتعثر.

 

في النهاية، أود أن أقول إنه ربما يمكننا أن نجد المعرفة والمعلومات في أماكن كثيرة، لكن لكل مكان خصوصيته التي تترك علامة خاصة في ذواتنا، وهكذا كانت تجربتي مع "القطان"، التي وضعتها في صندوقي الخاص وبين أهم أدواتي، أتحدث عنها في العادي والمعتاد، لأنها شكلت تجربتي التي أقدمها بشكل غير معتاد، وأسير بنورها بلا خوف.