مسرحية "افتح الحقيبة" .. صوت مجتمعيّ للناس بمنظور ثقافيّ ووسائط فنيّة

الرئيسية في القطان الأخبار مسرحية "افتح الحقيبة" .. صوت مجتمعيّ للناس بمنظور ثقافيّ ووسائط فنيّة

 

نظّم برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسسة عبد المحسن القطّان، العرض الافتتاحيّ لمسرحيّة "افتح الحقيبة" في مسرح بلديّة أريحا، مؤخراً؛ بالتعاون مع بلدية أريحا، وضمن مشروع "الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة" الذي تنفذه مؤسسة عبد المحسن القطان، بالشراكة مع الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية (SDC).

 

واختارت الباحثة في المشروع، نادرة المغربي، أن تعرّف في البدء عن المسرحيّة بقولها إنّها نتاجٌ جماعيّ، من حيث الإنتاج والهمّ والغاية والمضمون؛ فهي مسرحيّة أريحا، مضيفةً: "افتح الحقيبة هو العنوان بكلّ ما يحمل فعل افتح من مجازات، وما تحمله الحقيبة من خبايا".

 

وتتمحور المسرحيّة، التي أخرجها عيد عزيز، حول أريحا بعيون نسائها وأطفالها، بحيث تشكّل نصّها من خلال لقاءاتٍ حواريّة دوريّة بمشاركة عددٍ من الأمّهات، حمل أطفالهنّ القضايا التي طرحنها، ثم وضعوها على المسرح، بعد تلقّي تدريباتٍ مع مختصين وباحثين في هذا المجال.

 

كما يؤدي الأطفال أنفسهم أدوار المسرحيّة، وقدّموا عرضاً تجريبيّاً مؤخراً أمام الأمّهات، تبعه نقاشٌ أخير قبل العرض الافتتاحيّ العام.

 

وأشرف مدير مسار اللّغات والعلوم الاجتماعيّة في البرنامج مالك الريماوي، والباحثة في البرنامج فيفيان طنّوس، على الورش واللقاءات الحواريّة، إضافةً إلى كتابةِ السيناريو، ومن جانبه، أشرف المنسق كريم حسين على المشروع من ناحية تنسيقيّة.

 

وقال الريماوي إن "افتح الحقيبة عنوان لمسرحية، ولكنه أيضاً مجاز لعملية طويلة هي مشروع مع الناس ولأجلهم، مشروع وظفنا فيه كل الوسائط لتوسيع الحوار وتعميق الرؤية، فمن أول صورة التقطها طفل لقضية في مدينته حتى آخر بطاقة كتبت عليها امرأة رغبة تتمنى أن تتحقق في مدينتها أو مشكلة تريد فتح الحوار حولها حتى بناء المسرحية وعرضها، والمشروع يعمل على تعميق الفهم وبناء المنظور وخلق المنصات لإطلاق عمل حقيقي يمكن الناس من فهم واقعهم والعمل على تغييره".

 

تنطلق المسرحيّة من مشهدٍ لفتاتيْن تمشيان متقابلتيْن، وتجرّان حقيبتيْ سفر، ثمّ تواجهان الجمهور، الذي يدرك لاحقاً أنّهما ترويان حكاية فتاة واحدة من زمنيْن مختلفيْن، تواجه الأوراق الثبوتيّة والمعابر من الصغر، حيثُ لا يسمح لوالدتها بالدخول إلى فلسطين، وتواجه انهيار طموحها المهنيّ فيما بعد، لتتبعه انهياراتٌ كثيرة حين تضطر للعمل في مستوطنة "إسرائيليّة".

 

 

وتتداخل قصّة الفتاة مع مشاهد من مدينة أريحا، وصفها المشاركون بالمرآة الكبيرة التي يعرضون فيها تناقضاتهم وضعفهم وقوّتهم، ويستعرضون فيها التغيّرات التي طرأت على المدينة: "بدل ريحة الحمضيات، ريحة مشاوي، وبدل كل نخلة فيها فيللا"، إضافةً إلى صورة المدينة كما يعرفونها، مقابل ما تُعرف به، وتُنعت به من ألقابٍ كأرض القادمين والمغادرين، المشتى، الاستراحة؛ فيقول الأطفال إنّ أريحا ليست أسطورة ولا ماضياً ولا وثيقةً وحقيبة سفر؛ مؤكدين: "أريحا هي بلدي، ولون وجهي، أنا والقعدة مع أصحابي على الدوّار".

 

وأضاف الريماوي "لقد بدأ الحوار من الشارع ومن الازدحام والفوضى، من غلاء الأسعار وخصخصة الحدائق العامة، ولكنه انتهى في قضايا الزمان والمكان، وعلاقة الأنا بالآخر، إنه الحوار الذي بدا وكأن الآخر هو المشكلة، الآخرون العابرون أو الضيوف أو السائحون هم المشكلة إلى فهم أكثر وضوحاً، الآخرون هم جزء من الأنا، هم الجانب المتحول من المدينة، والمشكلة تكمن في قلب الرؤيا وفي المنظور وفي مفهوم الأنا والآخر وليس في العلاقة بينهما".

 

وتابع: لقد عملنا معاً، سمعنا للناس وأصغينا لهم، ووضعنا الأفكار والقضايا على الخشبة، جعلناها مرئية، خلقنا مسافات مختلفة عنها، وأضفنا لها الأبعاد الأخرى، رأينا من منطلق الغريب والمقيم، حركنا المفاهيم وشغلنا الخيال، لقد رأى الناس وعيهم وهو يتجسد في مواقف وصراعات وقصص، رأوا الكلام على المسرح عندما أصبح كلام الجسد وحوار الدم، لقد وظفنا المسرح لنعيد للناس بشكل واضح وحاسم وقوي، ما كان مشوشاً وضبابياً.

 

ولفت الريماوي إلى أن المسرحية قدمت المدينة بكل أسئلتها وهمومها؛ بدءاً من مشكلات الساعة اليومية حتى هموم الزمن والحلم والهوية، فقد شكا الأبناء من تدخل الآباء والأهالي في خيارتهم العلمية والتعلمية، وظفنا الفن في تقديمها وجمعنا القصص، اخترقنا اللحظة الراهنة بالزمن الماضي عبر الحكاية، جلبنا قصص الأهل، ووضعناها على المسرح وسمعنا الأب يقول: لكي تفهمي يجب أن تسمعي كل الحكاية، أنا أيضاً كان عندي حلم، كنت أحلم أصير طياراً وأطير ... ليكتشف الأبناء أن خلف قرارات الأهل إرثاً من التجارب ومن الخيبات، نحن ضحية خيبات متوارثة، ولنواجهها علينا أن نصنع أملاً للقادم، نصنع الأمل ونتوارثه، هذا ما حاولنا أن نفعله.

 

وقال الريماوي: من أحد المشاهد الملفتة؛ المونولوج المسرحيّ الكوميديّ الذي قدّمته وكتبته الطفلة ميسّر عواجة، حول الفأر الذي يعيش مع عائلتها في المنزل منذ أعوام، والذي بدأت تعتقد أنّه ربّما يعيشُ في رأسها فقط.

 

ووصفت عواجة مشاركتها بقولها إنّها كانت مترددة في البداية، موضحة: "بالأول كنت خايفة أكمّل عشان الدراسة والامتحانات، بس كيّفت بالتدريبات، وكان الشعور حلو لما طلعت على المسرح، أنا فرحت كثير إنه الجمهور ضحكوا".

 

ولم يكن الضحك هو ردّ الفعل الوحيد على المسرحية بين الحضور؛ فقالت رانية عبد الرحمن، إحدى الأمّهات المشاركات: "إحنا بكينا، تأثرنا، هذي بلدنا وهي قضايانا، لمّا حكوا أولادنا كل هالأشياء على المسرح، كأنّه إحنا إللي حكينا، كل شيء حكوه جوانا".

 

يذكر أنّ برنامج البحث قد شرع بتنفيذ هذا المشروع في ثلاث مناطق منذ عامٍ واحد، هي نعلين، وأريحا، وقلقيلية، على أن تنتج كلّ منطقة عملاً فنيّاً مجتمعيّاً يلبي هدف المشروع؛ بأن يبني صوتاً مجتمعيّاً للناس بمنظور ثقافيّ ووسائط فنيّة.