مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية خلال العام 2022

الرئيسية في القطان الأخبار مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعية خلال العام 2022

اختتم مشروع "الثقافة والفنون والثقافة المجتمعية" في مؤسسة عبد المحسن القطان خلال العام 2022 مجموعة من المشاريع والمبادرات، كما أطلق مجموعة جديدة من المشاريع والمبادرات الجديدة، ليكمل من خلالها المسير بأفكار ومساهمات مجتمعية، وآمال نحو التغيير، طامحاً عبر العمل مع هذه المشاريع والمبادرات والطواقم التدريسية، إلى إنتاج معانٍ جديدة ومبادرات غير تقليدية، عبر سلكها مسالك جديدة، وتوظيفها أدوات فنية وثقافية غير تقليدية، وتوظيف البحث الثقافي والحوار الاجتماعي والأدوات الفنية.

 

خلال العام 2022، وضمن مسار المنح، تمكن المشروع، والممول من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC)، من إطلاق سبعة مشاريع ثقافية وفنية، وهي: مشروع "مكان إلنا" في منطقة الجاروشية في طولكرم، مشروع "العونة من خلال الفن والثقافة" في منطقة كفر عقب، مشروعا "عنقاء تتكلم" و"حاكورتنا بأناملنا" في قطاع غزة، مشروع "بازليكا" في قرية سبسطية، مشروع "المنطقة الشرقية" في نابلس، مشروع "امتلاك المكان" في قطاع غزة والخليل.  أما ضمن مسار "مبادرة في موقع"، تم العمل في 5 مواقع جديدة، من خلال مبادرات مثل: "همزة وصل" في منطقة بيت لاهيا، وجباليا، "إحنا" في منطقة تل الهوا، "متطوعون في خدمة القرارة" في القرارة/خانيونس، "صوت النساء، أنت من وين؟" في مخيم عسكر، "نادي المناظرات الطلابي" في مدينة رام الله وقرية أبو فلاح.  فيما حظي مسار المعلمين بمساهمة 71 معلماً/ة من المعلمين الجدد في الضفة وغزة، موزعين على 20 مدرسة (حكومية، وكالة، خاصة)، الذين نفذوا مبادرات مجتمعية تساهم في تغيير المجتمع.

 

وإلى الجانب الكمي أعلاه الذي نشير من خلاله إلى حجم المشاريع وانتشارها، نعرج عبر هذا التقرير على ثلاثة جوانب مضيئة من منجزات المشروع خلال هذا العام؛ ابتداءً بمحاولة تنفيذ مشاريع ومبادرات مستدامة، وقادرة على الاستمرار مع انتهاء المشروع، من خلال تنفيذ تدخلات لامتلاك أمكنة، أو ترميمها وإعادة إحيائها لاحتضان الاحتياج المجتمعي لوجود فضاءات تحاور مفتوحة.  ثم ننتقل إلى الإسهام في خلق حالة ثقافية متحركة في العديد من المناطق، ودمج الثقافة والفنون بالفعل المجتمعي، أو حتى توظيفها لخدمته، كأداة تعبير، إعلاءً لصوته.  وأخيراً وليس آخراً، العلاقة مع المجتمع، بمكوناته المختلفة، بالإشارة إلى التأثير على سياسات قديمة بكيفية تعاملها مع الفن والفعل الثقافي، وإحياء ممارسات تكاد تكون دفنت في مناطق معينة.

 

كثيراً ما كان الافتقار لفضاءات عامة، أو مساحات تلاقٍ، من القضايا المهمة المطروحة في المشاريع المقدمة ضمن مشروع الثقافة والفنون، وكثيراً ما كانت تثار هذه القضية في لقاءات التحاور مع أهالي المنطقة، أو مع صناع القرار، فمعظم المناطق التي تم العمل فيها، لا يتوفر فيها أي حيز مجتمعي مفتوح، فيما تشكل المساحات المتوافرة نماذجَ غير ودودة للأهالي، تكون في غالبيتها ذات طابع استهلاكي، فلا يستطيعون تكوين أي شعور بالارتباط معها، أو الانتماء إليها، فهي لا تتيح الفرصة لإنتاج أي تفاعل بين الناس، وتعزز الانفصال والعزلة، عوضاً عن تكلفتها المرتفعة، واعتمادها في بنائها على كون الوجود فيها مرتبطاً بممارسة معينة -كتناول الطعام أو الشراب- محدودة المدة.

 

وفي هذا السياق، تمكن مشروع "سينما الشارع" خلال العام 2022، ليس فقط من إحياء فكرة السينما ومشاهدة الأفلام في فضاء جماعي، بعد سنوات عدة أغلقت فيها دور السينما في غزة، إنما استطاع، أيضاً، ترميم مسرح هولست الثقافي بالتعاون مع بلدية غزة، ليصبح مركزاً ثقافياً مجتمعياً نشطاً، وإعادة افتتاحه بعد أكثر من 15 عاماً من الإغلاق، والبدء باستقبال المؤسسات والجمعيات والفرق الشبابية من مختلف المناطق في قطاع غزة لتنفيذ أنشطتهم المجتمعية والترفيهية فيه، التي تستهدف أهالي حيي الدرج والتفاح شرق مدينة غزة.

 

فيما استطاع فريق "بيتكم عامر" افتتاح مكتبة وحديقة في منطقة الشجاعية، حي التفاح على وجه الخصوص، لتكوّن فضاءات مجتمعية تفاعلية ومفتوحة للناس.  هذا وقد ركز المشروع في فكرته على تعزيز الوعي المجتمعيّ بأهمية الحفاظ على الموروث الثقافيّ والعمرانيّ كجزءٍ من الحفاظ على هويّة المكان.

 

وفي غزة أيضاً، استطاع فريق مبادرة "متطوعون في خدمة القرارة"، لفت النظر إلى ضرورة ترميم منتزه القرارة التابع للبلدية، الذي يشكل المتنفس الوحيد لأهالي المنطقة، على الرغم من وضعه الصعب وخطورته، لعدم ترميمه أو الاهتمام به منذ فترة، ليتمكنوا مع الأهالي والأطفال ومجموعة من الفنانين من تشجيع البلدية على الاهتمام بقضيته، من خلال تنفيذ أنشطة في المنتزه مع الأطفال وبناء جدارية، وعقد لقاء حواري مع أمهات المنطقة حول شكل المنتزه، بحيث قامت البلدية بدورها بإعادة تجهيز المكان والاهتمام بالإنارة، والبوابة، وتحسين السور، ولا يزال العمل مستمراً.

 

وبالحديث عن الحفاظ على الهوية التاريخية للأمكنة، فضمن مسار المعلمين، والمبادرات التي تنبع منه، تمكنت مدرسة أبو نجيم الثانوية في قرية أبو نجيم في مدينة بيت لحم، من إعادة إحياء موقع أثري يعود إلى العصر العثماني بجانب المدرسة، عبر انخراط طلبة المبادرة وإدارة المدرسة والمعلمين، بالتعاون مع المجتمع المحلي والمجلس القروي، من خلال بناء مخطط هندسي للمكان، وتفعيله عبر جمع كتب من الأهالي، وعقد جلسات حوارية معهم، وقراءة قصة.

 

وفي سياق متصل، تمكّنت مدرسة بنات الدكتور عقاب مفضي الثانوية من الحصول على قطعة أرض من بلدية حوارة لبناء حديقة تفاعلية للمدرسة، يتم فيها تنفيذ الأنشطة والفعاليات الثقافة والفنية في حوارة جنوب نابلس.

 

وانتقالاً إلى نابلس، فمن خلال المنحة الإضافية لمشروع "مسار"، وعد أحد ممثلي قوائم البلدية -أثناء الفترة الانتخابية- بالعمل على تأهيل مكان/مركز نهاري في البلدة القديمة في المدينة لصالح ذوي الإعاقة، حيث نجح المشروع في التوجه وجذب اهتمام معظم القوائم الانتخابية للمجلس البلدي.

 

ولنختتم بقرية الزبيدات، إذ استطاعت الفتيات فيها، من خلال مشروع "من مزرعة في الغور" تأسيس منتدى فتيات، استجابةً لما تعانيه فتيات القرية من عدم وجود أي مساحات تشاركية تحتويهن، وصعوبة التلاقي في منازل بعضن البعض لصغر حجمها، واكتظاظ المنازل، حيث اتخذن قاعة النادي في القرية مقراً له، على أن يتقاسمنه مع رواده من الشباب، بتخصيص أوقات معينة لهن فقط، يستفدن خلالها من المساحة، ويتجمعن فيه، لممارسة هواياتهن، وللتلاقي والنقاش.

 

لقد كانت المساحات العامة قديماً حيزاً للتحاور، والنقاش، ومشاركة الهم الجمعي، وفي كثير من الأحيان كانت أنوية التغير، عوضاً عن أهميتها لتكوين هوية الأطفال والشباب، وضرورتها كمتنفس، ومساحة للتفريغ، ومن هنا كان انشغال الناس، ومن هنا بحثت المشاريع عن إمكانية دعم وجود هذه المساحات أو توفيرها.

 

وعلى صعيد الممارسات، تأتي إضاءتنا الثانية، التي تركز على فكرة الحراك الثقافي، وضرورته في التغير، من خلال استقطاب فنانين إلى مناطق المشاريع، إلى جانب توظيف الفنون والثقافة بشتى أنواعها وأشكالها في المبادرات المجتمعية.

 

وهنا نبدأ بمشروع عليكم جيرة، الذي جاء كمناصرة فنية ورقمية للمزارعين/ات من أهالي قرية الجلمة في سهل مرج ابن عامر، شمالاً لمدينة جنين، بحيث يحاول طرح قضاياهم على الساحة، من خلال تغطيات إعلامية، أو أعمال فنية تشير لها، هذا وقد تم تنفيذ مجموعة من الإقامات الفنية خلال فترة المشروع، وما مجموعه 7 جولات لفنانين/ات ومدونين/ات في قرية الجلمة، إضافةً إلى تنظيم 5 لقاءات لتحديد المشاكل التي يعاني منها المزارعون في المنطقة، وتم تسليط الضوء عليها، من خلال أدوات فنية متمثلة بالزجل والمسرح وعرضها على صناع القرار في مهرجان ختامي للمشروع بعنوان "زرع وزجل".

 

بينما قام مشروع "العالم معكوس" باستقطاب مجموعة من الفنانين للعمل على جداريات كبيرة، رُسمِت في الفضاءات العامة لقرية الجيب، وقلنديا، وكفر عقب، بالتعاون مع مجموعة من أطفال ونساء وشباب هذه المناطق، للحديث عنها كمساحات مقدسية مهمّشة، ومعزولة، وطرح قضاياها بشكل فني بصري معاصر، منها سلب الحق في السفر من فلسطين، وعدم وجود حرية تنقّل فيها، أو ما تعانيه الفتيات من عدم تمكنهن من الخروج واللعب في الشارع بعد سن معينة، وعدم توافر المساحات الخضراء، وكثرة الاكتظاظ، وغياب المساحات الآمنة.  وقد قام المشروع باستضافة 4 فنانين مختصين برسم الجداريات، وهم: جوليان مالاند من فرنسا، كراشكيد (كاسبر) من ألمانيا، وكل من تقي سباتين وراني شرباتي من فلسطين.

 

وإلى جانب توظيف أداة فنية معينة لطرح قضية أو توجيه النظر إليها، فهناك ممارسات فنية تعتبر ثورية بحد ذاتها كممارسة، كما ذكرنا سابقاً حول إعادة افتتاح مسرح هولست الثقافي، أو العمل من خلال أداة المسرح في مشاريع أخرى، إضافة إلى السيرك، الذي استطاع مشروع "السيرك للجميع" استحضاره كأداة فنية وتربوية قادرة على طرح أسئلة مجتمعية؛ إذ نُفِّذت 8 عروض سيرك ضمن المشروع في الضفة الغربية وقطاع غزة، اعتمدت على ورشات عمل بحثية بمشاركة حوالي 164 طفلاً/ة منهم 62 طالباً وطالبة في بيرزيت، و52 طفلاً في جمعية عايشة، و52 طفلاً في جمعية البستان في القدس، للخروج بأهم المشكلات التي يعاني منها طلاب المدارس، وتم تحويل هذه القضايا إلى عروض سيرك عُرِضت في المدارس بحضور المعلمين.

 

عمل المشروع، أيضاً، على تشجيع سد الفجوة بين متخذي القرار المحليين والمجتمع المحلي، مؤكداً على ضرورة فتح قنوات اتصال لمناقشة احتياجات المواطنين ومطالبهم، وبطريقة ما إعطاء قوة للمواطنين للتأثير على السلطات المحلية.  وقد جاء ذلك من خلال مجموعة من الشراكات التي بنيت على نقاشات وعملية ترابطية بين المشاريع والبلديات، أو أصحاب القرار في مناطقهم، وقد كانت علاقة اعتمادية متبادلة، قائمة على التأثير المرجو من هذه المشاريع في مجتمعاتها.

 

وقد تجسّدت ديناميكية هذه العلاقة بمجموعة من المشاهد في مناطق مختلفة؛ بدأت بتشكيل لجنة من أولياء الأمور والطالبات والمعلمات وأعضاء من المجلس المحلي في بلدية الخليل، لتفعيل الممارسات الرياضيّة في مدرسة آمنة بنت وهب للبنات، وحل مشكلة انخفاض سور المدرسة، الذي أدى إلى إهمال حصص الرياضة، لحساسية المنطقة تجاه هذا الأمر.

 

وقد ركز المشروع، وبخاصة في مسار المعلمين، على تعميق الحوار بين المدرسة والمجالس المحلية، عبر طرح قضايا تربوية ومجتمعية للمجتمع المحلي، وبناء تفاعل مجتمعي معها، ليتم خلال العام 2022 زيارة 50 مؤسسة من المجتمع المحلي، وعقد 38 لقاءً مع أعضاء المجالس المحلية التي يتم فيها تنفيذ مبادرات مجتمعية، إضافة إلى 19 لقاءً مع الأهالي.

 

ويشدد المشروع على ضرورة العمل الجماعي المتكامل لتحقيق التغير، وأهمية عقد الشراكات ضمن المشاريع، لتسهيل عملها، وللاستفادة المتبادلة خلالها، إذ استطاع المشروع في هذا السياق أن يقوم بتوقيع ثلاث مذكرات تفاهم مع وزارة التربية والتعليم، وجامعة الأقصى في غزة، وجامعة النجاح بنابلس ضمن المشاريع المنفذة، والإسهام في بناء قدرات المعلمين من خلال العلاقة مع وزارة التربية والتعليم، والمتطوعين الشباب والطلاب والمجتمع المحلي، ليشكلوا نماذج ملهمة للمشاركة مع المجتمعات والتعبير عن احتياجاتهم وليصبحوا صانعي تغيير نشطين.

 

الفنّ والثقافة كوسيلة لفهم المجتمع

ويتناول مشروع الثقافة والفنون والمشاركة المجتمعيّة الفنّ والثقافة كوسيلّة لفهم المجتمع واحتياجاته، وأسئلته، ويعمل على خلق حوار ونقاش مجتمعيّ حولها، يؤدي إلى بناء فهم هذه الاحتياجات وفهم حيثيات وخلفيات ما يشغلها، مستندين في الطرح إلى توجّه نقديّ يسعى إلى المساءلة والمشاركة والحوار.  وتتعّدد القضايا المطروحة باختلاف الانشغالات وخصوصيّتها، وتتنّوع بين التعليم والصحّة وواقع الشباب ومثيلاته، كما تتنوع الأدوات الفنية والثقافية التي يتم توظيفها.

 

ويرى المشروع أن المجتمع شريك فاعل وأساسيّ في عمليّة تنفيذ المشاريع والمبادرات، إلى جانب ضرورة انتماء الفاعلين والمشاركين إلى الهدف السامي الذي يعملون لأجله، وللمحيط الذي يتم التنفيذ فيه، وللناس، بقدر إيمانهم بقدرة الفن والثقافة على إحداث تغيير مجتمعيّ.