معرض أطفال الشمس - مدرسة رافات الثانوية

الرئيسية في القطان الأخبار معرض أطفال الشمس - مدرسة رافات الثانوية

-"كيف ممكن يتحقق العدل؟"

- "لازم نتضامن إحنا سوا، ونكون عادلين بالأشياء الصغيرة، عشان يصير العدل الكبير". زريفة رباح (12 عاماً)

 

من زار معرض "أطفال الشمس" في رافات بتاريخ 26/3- والذي عملت عليه طالباتُ الصفّ السابع في مدرسة بنات رافات الثانويّة مع الفنّانة السريلانكيّة "دينيث ودارتشيج"-  قد يظنّ للوهلةِ الأولى أنّ المعرض يقتصر على بضعة بيوتٍ كرتونيّة صغيرة وبسيطة، أو ربّما يضمّ أعمالاً يدويّة ملوّنة في حديقة خلفيّة لمنزلٍ قرويّ؛ لكنّ الزائرين/ات سيجدون مزيجاً من البراءة والعمق والإلهام بمجرّد أن يستمعوا لشرح الطالبات عن أعمالهنّ، وهنّ يقفن بكلّ فخرٍ أمام "بيوتهنّ" كأيّ فنّانٍ محترفٍ.

 

ويعتبر مشروع "أطفال الشمس" استكمالاً لبرنامج التكوّن المهنيّ في مدرسة رافات؛ وقد اتّخذت مؤسّسة عبد المحسن القطّان هذه المدرسة كوحدة لتطوير المعلّمات من خلال التدريبات وبناء المشروعات مع الطلبة منذ عامٍ واحد.

 

 

الأسئلة الأولى:                      

ولنأخذ خطوةً  أبعد في فهم "أطفال الشمس"؛ سنبدأ من البداية ولحظة التقاء الطالبات بالفنّانة قبل ثمانيةِ أيّام من المعرض.

  • بتعرفوا وين سريلانكا؟
  •  لا.
  • طيب، بتعرفوا الهند؟
  • طبعاً.
  • شايفين الهند الكبيرة؟ سريلانكا هي الجزيرة الصغيرة تحتها.

 

كان ذلك أوّل سؤال طرحته "دينيث" على طالبات الصفّ السابع الخجولات الملتزمات مقاعدهنّ بهدوء؛ ليكون موقع سريلانكا الجغرافيّ أوّل معلومة يكتسبنها، لكن حتماً ليست الأخيرة.

 

توالتِ الأسئلة؛ وكلّما اقتربتْ من مشاعر الطالبات كانت تصبح أصعب فأصعب، فيبدو سؤال مثل: "ما الذي يفرحكِ؟" سؤالاً بسيطاً ولا يستطيع أحدٌ سواهنّ الإجابة عليه، لكن عند كتابة الإجابة؛ اكتشفتِ الطالبات أنّهنّ قلّما فكّرن فيه، أو سألنَه لأنفسهنّ؛ وذلك لا يقتصرُ عليهنّ بالطبع. تراوحتْ إجاباتهنّ ما بين السباحة، والرسم، وكتبتْ إحداهنّ أنّها ستسعد لو ذهبت لأمريكا، وأخرى لو تعلّمت الروسيّة، ومنهنّ من يفرحها الاستكشاف والركوب على متن السفن!

 

أمّا الأخيرة فاحتفظتْ بمعنى "التنزّه" باللّهجة المحكيّة فكتبت: "يفرحُني أن أشمّ الهواء"، ليصبح للعبارة- المتداولة يوميّاً دون تفكيرٍ حقيقيّ في معناها- بعداً جديداً لافتاً فجأة.

 

التساؤل الذي تلا ذلك في اليوم الأول كان "ما الذي نستطيع فعله لنفرحَ الآخرين؟"؛ وكان هذا أسهل من الأوّل على غير المتوقّع، فانهالتِ الاقتراحات؛  "أن أشتري هديّةً لعيد الأمّ، وأن أساعد في قطف الزيتون، وأساعد أمّي في عملها بالصحافة، وأن أغنّي لصديقتي وأحفظ القرآن لأفرحَ والديّ".

 

 

زهرة اللّوتس:

قالت الفنّانة دينيث إنّ زهرةً تسمّى اللّوتس تنمو في الوحل ذي الرائحة الكريهة؛ ولكنّها بالرّغم من ذلك تزهر وتفوح رائحةً طيّبة، وكذلك نحن؛ فنحنُ قد نوجدُ صغاراً في أصعب الظروف، ومع ذلك نتحدّى الوحل بساقٍ متين ونخرجُ للشمس كالبتلات الملوّنة.

 

بناءً على تلك الفكرة؛ شرعت الطالباتُ برسمِ زهرة اللّوتس، وعلى جذرها رسمنَ كلّ ما يعتبرنه كريهاً من طفولتهنّ، كقبرٍ رماديّ لمن فقدتْ والدَها، أو سريرِ مشفى رسمته من تعاني حالة صحيّة سيّئة على الدوام... إلى أنْ وصلتِ الأقلامُ للبتلات ورسمنَ أحلامهنّ في المستقبل؛ حيث كانت الأهرامات لمن تحلم بأن تكون عالمة آثار، وسمّاعة طبيّة لمن تريد أن تكون طبيبة.

 

على أيّة حال؛ لزهرة اللّوتس حكاية أخرى في  أسطورة الخلق المصريّة؛ ليست بعيدة جدّاً عن "أطفال الشمس" فتقول: "في البدء كان السديم (الضَّبابُ الرقيق) يعمّ الأرض، والفوضى عارمة، والظلام يلامس وجه الماء، عندها انبثقت زنبقة ماء من اللّج (الماء العميق الذي لا يُدرك قعره)، وببطء تفتحت تويجاتها ليظهر الإله الطفل جالساً في قلبها، نفذت رائحتها العطرة لتعشّش على الماء، وشعّ نور من جسد الطفل ليبدّد الظلام الدّامس. ذاك الطفل هو إله الخلق، منبع كلّ حياة؛ إله الشّمس رع."

 

البيت:

حان الوقتُ لبناء الأعمال الفنيّة أو "البيت" كما اصطلحتْ الفتياتُ على تسميته؛ فوضعنَ كلّ ما أحضرنه- من ملابس قديمة، وأوانٍ شبه مكسورة، ودمى ما عدن يلعبنَ بها- على الطاولة وكان عليهنّ أن يخترنَ شيئاً واحداً أو شيئيْن فقط لاستخدامه في صنع البيت؛ وذلك ليَمثّلنَ فكرة واحدة عايشنَها.

 

كانَت الطالباتُ الخجولات تتغيّرن في تلك الأثناء، وبدأتْ أصواتُ ضحكاتهنّ تتعالى وشخصيّاتهنّ تتمايز؛ فخلال إلصاق قطع "الكرتون" وبناء السّقوف الصغيرة كانت تُبنى الثقة والطاقة الإيجابيّة؛ لتملأ غرفة التدبير الورديّة في المدرسة.

 

 

بيوتنا :

(اضغط الصورة لقراءة وصف البيت)

 

إسلام محمد ندى جبر شريهان طه
     
أنغام عطر باسمة صيام تسنيم جبر
     
حلا عميرة حنين جبريل حنين ضيف الله
     
رند الطيراوي رؤى طه زريفة رباح
     
شروق ضيف الله شهد طالب فهيمة عمر
     
لما محمد ملاك باجس نعمة طه
     
نور جبر هبة عمر منى طه

 

"عدوّ الشمس":

لو حصل ورأيتُ مشهد النهاية في فيلم سينمائيّ لتذمّرتُ من خيال المخرج، لكنّه حصل فعلاً؛ فبينما كانت الطالبات حول بيوتهنّ ينتظرنَ الزوّار، تفاجأنَ بزوّار غير مرغوبٍ فيهم؛ فدخلَ خمسةُ جنودٍ "إسرائيليين" بأسلحتهم على الساحة التي يُقام بها المعرض، بعد أن كانوا يراقبون الأطفال عن بُعد على الطريق الالتفافيّ في الجهة المقابلة... كانت مفارقةً حقيقيّة؛ أن ترى أمامك بيتاً عن "الحريّة" صنعته طفلةٌ في الثانية عشر من عمرها، ثمّ إذا رفعتَ نظرك قليلاً سترى بندقيّة.

 

بعد أن رحل الجنود تعالت أصوات الطالبات شيئاً فشيئاً: "أنا ما خفت... ولا أنا، بيخوّفوش أصلاً"؛ مع أنّ أحداً لم يسألهنّ عن شعورهنّ بعد.

 

 

على الهامش:

تعرفُ الطالباتُ سريلانكا جيّداً الآن؛ بعد أن كانت هامشيّة مقارنةً بالهند الكبيرة، ويعرفنَ أنّ علبةً فارغة وفستاناً بالياً قد يتحوّلا إلى عملٍ فنيّ إذا رافقتهما فكرة صادقة؛ والأهمّ أنّهن أصبحنَ ميقنات أنّ حكاياتهنّ وإن كانتْ صغيرة؛ فهي تستحقّ أن تُروى.