ورشة حول "العلوم والاستقصاء ضمن منهجيّة عباءة الخبير"

الرئيسية في القطان الأخبار ورشة حول "العلوم والاستقصاء ضمن منهجيّة عباءة الخبير"

ثلاثون مربيّة أطفال دخلنَ إلى قاعة صغيرة بخطى مترددة يتساءلن عن سبب وضع عشّ فيه بيض على الطاولة المحاذية للباب، وما أن التفتن يميناً حتى وجدنَ حشراتٍ صغيرة خلف زجاجٍ دائريّ على طاولةٍ أخرى، وثمّ حوض سمكٍ تسبح فيه سمكةٌ ذهبيّة، وعلى الطاولة الرابعة كاميرات قديمة، وصنابير مياه متعدّدة الأشكال على الطاولة التي تليها، وبالطبع لم يستطعنَ إغفال الطاولة التي تعكس ظلّاً ملوّناً على الجدار، وأخيراً الطاولة السابعة التي حملتْ بذوراً وأوعيةً فيها تراب.

 

تلك كلّها كانت محطّاتٍ في ورشة "العلوم والاستقصاء ضمن منهجيّة عباءة الخبير"، التي عقدها مشروع وليد وهيلين القطّان لتطوير البحث والتعليم في العلوم/برنامج البحث والتطوير التربويّ/مؤسّسة عبد المحسن القطّان، ضمن برنامج التكوّن المهني لمربيّات رياض الأطفال على مدار يوميْن بتاريخ 14-15/5 في جمعية الهلال الأحمر في البيرة؛ بإشراف باحثيها د. نادر وهبة مدير المشروع، ومالك الريماوي مدير مسار اللغات والعلوم الاجتماعية في البرنامج، والباحثة في البرنامج فيفيان طنّوس، وبمشاركة مربيّات أطفال من كلّ من محافظة القدس وبيت لحم ورام الله وأريحا.

 

ولم تبقَ تلك المحطّات السبع لغزاً لمدّة طويلة، وبخاصّة حين توزّعت المعلّمات عليها؛ وذلك للإجابة -في مجموعات- عن أسئلة عدّة؛ أبرزها: "ما هي القصّة الشخصيّة التي تحملينها حول الأغراض أمامك؟"، و"ما هي القصّة التي قد يحملها أطفالك عنها؟"، كما ناقشت المجموعات ممكنات التعلّم في المحطّات، وكيفيّة تحقيقها مع الأطفال في مرحلة الطفولة المبكّرة.

 

"الحنفيّة بقيت حنفيّة، بس..."

وقال وهبة "إنّه دون القصّة؛ لا يوجد معروضة علميّة، وستبقى حنفيّة الماء مثلاً مجرّد قطعةٍ معدنيّة؛ فالقصّة هي التي ستعطيها المعنى، وذلك تماماً ما حدث في الورشة؛ فذكرتْ مربيّة مشاركة أنّ أمّها اعتادت الذهاب يوميّاً إلى عين ماء لتملأ جرّة، وذلك لأنّ تمديدات المياه لم تصل قريتهم بعد، وحين تمّ تمديد المياه احتفلتْ أمّها ووزّعت الشوكولاتة على أهالي القرية؛ ولكنّها لم تتردّد في فكّ "برغي" الحنفيّة والاحتفاظ به لتمنع الأطفال من إسراف المياه؛ تماماً كما لو أنّ لديها جرّة مياه واحدة فقط حملتها فجراً مِن وإلى العين.

 

من مجالات التعلّم الممكنة التي نوقشت في هذه المحطّة هي أن يرسم الأطفال الصورة التي يتخيّلونها للحنفيّة من الداخل ليكتشفوا طريقة عملها مثلاً، أو أن يتعلّموا عن تطوّر شكل الحنفيات عبر الزمن، وصولاً إلى التعرّف على استخدامات المياه وطرق الحفاظ عليها واختلاف مصادرها، أو التفريق بين "الساخن" و"البارد"، أو المقارنة بين أوزان الحنفيات المختلفة حسب معادنها ... والقائمة تطول.

 

إضافة إلى أنّ رواية القصّة لا تساعد في تشجيع الأطفال على سرد قصصهم فحسب؛ بل هي بداية بناء لتجربة تعلّميّة حول المعروضة، وترفع مستوى الاستكشاف؛ فكما يصفها الريماوي؛ المسألة تبدأ بالذهاب إلى الطاولة، ورؤية "الأغراض"، وإلى هنا يكون الأمر مجرّد جولة سياحيّة كالمرور بها على متن القطار، لكن ما يحدث بعد ربطها بالقصص والعلوم والفنون هو كالرّكوب في الغوّاصة؛ ما يخلق تجربةً عميقة ومعرفةً راسخة.

 

وعلى شاكلة محطّة الحنفيّات؛ أنتجتْ المحطّات الباقية ممكنات تعليميّة واسعة؛ مثل حوض السمك الذي ترافقه صورتان لسمكتيْن ميتتيْن، فتتجاوز المعروضة التعلّم حول عالم البحر وكائناته وصخوره وأملاحه وتلوّث المياه وتربية الأسماك، ليصل إلى موضوعِ "الفقدان"، وسبب موتِ "الكائنات" لتفقد صفة "الحيّة"... ثمّ ماذا لو ماتت الأسماك جميعاً؟

 

وبذلك يطوّر الأطفال فهماً للظواهر التي تحصل حولهم، ويبنون شعوراً بالمسؤوليّة اتجاه الكون الذي يعيشون فيه، ما يدفعهم للتفكير في حلول وللبحث من أجل توظيف معرفتهم فيما يخدم العالم في المحصّلة.

 

كيف يكون العلماء؟

حين طلب الريماوي من المربيّات أن يرسمن صورة "عالِمٍ" ما كما يتخيّلنه؛ كانت الرسوم نمطيّة بالمجمل: "رجلٌ غربيّ مسنّ يجلس في مختبر"، لكنّ العلماء في الحقيقة أنواع، والمختبر ليس المكان الوحيد للاكتشاف، بل إنّ العديد من الاكتشافات قد حدثت بالصدفة، وفي أماكن غير متوقّعة إطلاقاً؛ فأفضلُ تشبيهٍ للعلماء فعليّاً هم الأطفال؛ لأنّهم حين يلفت نظرهم شيء ويثير فضولهم يسارعون للبحث فيه واستكشافه.

 

من جانبه، أكّد وهبة أنّ صورة "العالِم" النمطيّة هذه تُعلَّم للأطفال عبر مناهجنا؛ فقد أظهرت الدراسات أنّ الأطفال يحملون تلك الصورة ذاتها عن العلماء، مضيفاً أنّ ما نريد أن يستنتجه الأطفال هو ذلك العالِم الذي يرى الظواهر ويفكّر ويسأل ويقارن ويجرّب أينما كان، وبغضّ النظر عن عمره أو هويّته.

 

استكمل اليوم الثاني من الورشة تطوير العمل حول المحطّات السبع، وذلك بالعمل على معروضة العشّ كمثال للتطبيق، واستخدام أعراف الدراما، وتطبيق نهج عباءة الخبير؛ وهو نهج يتولّى فيه الأطفال مسؤوليّة إدارة عمليّة مُفترَضة ما، بهدف تطوير علاقة الطلبة بالمعرفة وإخراجهم من كونهم مجرّد مستقبلين يتمّ تبليغهم بالمعلومة، بل يوظّفونها ويشاركون في إنتاجها؛ حيث تم بناء سياق متخيّل لمجموعة كبيرة من الأعشاش وجدت في بيت مهجور أرادت صاحبته أن تستصلحه للعيش فيه هي وزوجها وأولادها؛ وبالتالي تحتاج إلى مساعدة من فريق متخصّص في رعاية الطيور، وتعرّضت المربيّات من خلال هذا السياق لخبرات متخصصة في الطيور الفلسطينيّة المهدّدة بالانقراض، وطرق بناء أعشاشها، وأشكال بيوضها، وأماكن تواجدها، وكيفيّة الحفاظ عليها، إضافة إلى التعمّق بخطوات توجّه الدراما "عباءة الخبير" وعناصره.

 

تأتي هذه الورشة لتقديم طرقٍ لتعليم العلوم في رياض الأطفال بشكل تكامليّ مع باقي مجالات التعلّم؛ كاللّغة والمنطق الرياضي والفنون، وتطرح سؤال جسر الهوّة بين التعلّم في مراكز العلوم التفاعليّة -حيث يكون الطفل دون مشرفٍ، ويكتسب المعرفة خلال اللّعب- والتعلّم في الرياض عبر النموذج المدرسيّ المحدّد بمنهاج، فالمنطقة الوسطى بين هذين الخيارين هي التعلّم غير الرسميّ عبر استخدام الدراما في التعليم.

 

بدورها؛ أضافت طنّوس أنّ هذا الشكل من التعليم يضع المربيّة أمام تحدٍّ لمعرفة كيفيّة تفكير الأطفال ضمن البيئة المحيطة بهم، ودورها في فتح مجال التعلّم والاستقصاء والبحث جنباً إلى جنب مع أطفالها لإيجاد إجابات ترضي فضولهم، وتصل بهم إلى تعلّم يقود إلى نموّهم وليس العكس.

 

ولم تخفِ المربيّات تخوّفهنّ -رغم حماسهنّ للفكرة- من أنّ الإداريين في الروضات يميلون إلى الأساليب التقليديّة تلبيةً لتوقّعات الأهل بأنّ أطفالهم مثلاً سيصلون الصفّ الأوّل وهم يحفظون ويكتبون الأحرف والأرقام كافّة بلغتيْن عن ظهر قلب؛ لكنّ هذا التخوّف لم يكن جديداً على باحثي "القطّان"، إلّا أنّهم أكّدوا أنّها مسألة وقت وجهدٍ وإصرار على الفكرة، وسيثبت التعلّم غير الرسميّ قدرته على إثراء الأطفال فكرياً وعلى تنمية إبداعهم.

 

يُذكر أنّ برنامج البحث والتطوير التربويّ في "القطّان"، يعمل في مجال توظيف الدراما في التعليم مع مربيّات الطفولة ومعلّمي المدارس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وذلك في ورش عملٍ تدريبيّة دوريّة، وعبر إصداراته المطبوعة كمجلّة رؤى تربويّة الفصليّة والمؤلّفات المترجمة، وليس انتهاءً بالمدرسة الصيفيّة المكثّفة التي تعقد سنويّاً في شهر آب، والتي صمّمت لتقدّم خلال 3 سنوات من المساقات التراكميّة برنامج دبلوم في الدراما في سياق تعليميّ.