لقد فرضت الحالة الناتجة عن الحجر الصحي (ومبدأ التباعد الاجتماعي) تبعاتها على الوضع التربوي، ما أدى إلى إغلاق المدراس ورياض الأطفال وتوقف عملية التعليم والتعلم، الأمر الذي دفع، بدوره، إلى الشروع في محاولات للتعليم الإلكتروني، أو التعليم عن بعد، ما دفعنا إلى التساؤل عن الكيفية التي يمكن من خلالها تعليم أطفال ما قبل المدرسة (التمهيدي) ضمن هذا السياق؟
وضمن فهمنا لعملية التعلم الخاصة بهذه المرحلة العمرية، وشروطها التربوية، ومرجعياتها المعرفية، تم العمل على إعداد مخطط تعليمي يتضمن أساسيات التعلم وموضوعاته المنهاجية من جهة، كما يتضمن، من جهة أخرى، شروط عملية التعلم من حيث توفر مستويات الانخراط المتعددة للطفل بحضور (شخص بالغ يطور معه الأنشطة ويقود عملية تطويرها وتصعيبها)، ووجود أنداد يتفاعلون ضمن سياق يجمع اللعب والاستكشاف والبحث الجاد لأجل التعلم والفهم معاً.
وقد بني المخطط ومنهجيته الإجرائية على الجمع الخلاق بين الدور الاستراتيجي للمربية وقدراتها التربوية، وبين المعايشة البيتية ضمن ممكنات المنزل وموارده البشرية والتقنية، فعندما توفرت للمربية المنهجية الملائمة لتعليم أطفالها بشكل مختلف ومستند إلى إيمانها بهم، وأصبح الأهل داعمين ومشرفين مباشرين لأطفالهم ومربيتهم، كانت النتيجة الطبيعية انخراط الأطفال في تعلمهم، وتقديم ما تفوق على ما كان متوقعاً منهم، فعملوا بجدية ومسؤولية كبيرتين، فحققوا للمخطط أهدافه ومسار عمله ومنتجاته، والأهم ما يظهرونه من شغف للتعلم؛ شغف تجسد في انتظارهم الدائم لاستكمال المخطط وإنتاج قصته.
هذا ما حدث خلال الأسبوع الماضي وسيحدث في الأسابيع الستة القادمة مع مربيات الطفولة المبكرة ضمن برنامج التكون المهني أثناء تطبيق مخطط (حياة الأمكنة وموتها) الذي قام برنامج البحث والتطوير التربوي في مؤسسة عبد المحسن القطان بإنتاجه ونشره في سياق تمكين أطفال التمهيدي من استكمال تعلمهم للقدرات والمهارات الأساسية الخاصة بمنهاجهم التعلمي.
يستند هذا التقرير على تجربة موثقة تقوم 15 مربية على تطبيقها في روضات مختلفة، تنوعت بين خاصة وحكومية، وفي مناطق مختلفة من المدن والبلدات في فلسطين، عبر صيغة تشاركية مع الأهل، باستخدام تقنيات مختلفة في التواصل مع الأهل وأطفالهم.
فكما أن العمل على المخطط بين المعلمة وأطفالها هيّأ للأطفال فرصة للتعلم والاستكشاف، كان أيضاً فرصة كبيرة للأهل ليتعرفوا من خلاله على منهجيتي الدراما والمشروع في التعليم اللتين منحتاهم التشارك مع أطفالهم ومشاركتهم في عمليات البحث والاستكشاف، عبر تطوير اللعب من لعب إلى استكشاف جاد، والعبور بالانخراط من الاهتمام إلى المشاركة والإنتاج.
فلم يعد المشروع مشروع مربية وأطفالها فحسب، بل تخطى ذلك ليصبح مشروع الروضة والعائلة معاً، ولم يعد التعلم يقتصر على أوراق عمل ومهام إنجازية على الطفل إنجازها، بل أصبح حالة استكشافية يقودها سؤال كبير ومهام تتطلب مهارات عليا، جعلت من البيوت ورشات عمل وحوارات معرفية وقيمية، ومن غرفها معارض تحمل على جدرانها تصاميم ورسومات تحكي قصة المشروع وإنجاز الطفل والعائلة معاً.
فالمشروع يقوم على أطفال يتعلمون بتوجيه من مربياتهم ومشاركة أهاليهم في البيت، حيث بدأ من خلال تصميم معالم مكان (بلدة) وهندسة معالمها في السياق، لتعلم موضوعات وفنون مختلفة. الأطفال في المشروع يرون المكان الذي كان مأهولاً بعدما أصبح مهجوراً، يرونه بعيون طفلة عائدة ويكتبون مشاعرها، ويبحثون في ذكرياتها عن بلدتها ومدرستها وصديقاتها ... الأطفال يكتبون مشاعرهم الخاصة من خلف قناع، وينتجون مواد ورسومات وتصاميم يملأون بها جدران غرفهم. الرسومات والتصاميم تعلق على الجدران، أما الأسئلة التي خلفها، فتبقى محمولة في العيون؛ عيون باحثة عن الأجوبة وعما يكمن فيها، وعن الأشياء وعما يكمن خلفها.
للرجوع للمخطط التعلمي كاملاً: التعليم المنزلي : الاماكن المهجورة كسياق تعلمي للأطفال