نظم برنامج البحث والتطوير التربوي/ مؤسسة عبد المحسن القطان، يوم الخميس 20/8/2020، اللقاء الثاني ضمن لقاءات منتدى مربيات الطفولة المبكرة، التي تأتي استجابةً للتفكير والحوار بشأن شكل الروضة وطرق العمل فيها وممكناته في ظل الأزمة.
وكان اللقاء بعنوان "دور اللعب والسلوك الاجتماعي لأطفال الروضة في ظل الجائحة"، إذ استضاف المنتدى الدكتور سلام قدسي، المتخصص في مجال الطفولة المبكرة، عبر تقنية زوم، بحضور 45 مربية.
افتتحت الباحثة في برنامج الطفولة فيفيان طنوس اللقاء بالتعريف بالدكتور قدسي، مؤكدةً في تقديمها ضرورة التفكير في الشكل المقبل للروضة بناءً على ما تقتضيه السياسات الصحية، من جهة، والحاجات التربوية والنفسية لنمو الأطفال وتعلُّمهم، من جهةٍ أُخرى.
وفي هذا السياق، تحدث الدكتور قدسي عن حاجات الأطفال النمائية في مرحلة ما قبل المدرسة، من خلال التسلسل في فهم مراحل نمو الطفل وتطوره، وانعكاس هذه المراحل على لعب الأطفال، من جهة، وعلاقتهم بالبالغين المحيطين بهم، من جهةٍ أُخرى.
وركز قدسي على طبيعة العلاقة بين الطفل والمربية "التي تشكل شخصيةً مركزيةً في حياته في هذه المرحلة العمرية، ما يعني أنّ هذا يتطلب منها كمربيةٍ الوعي الكبير بدورها، هذا الوعي الذي يتضاعف مع حاجات المرحلة الآنية "مرحلة التعليم في ظل الأزمة"، إذ يحتاج الطفل أن يتواصل بشكلٍ بصريٍّ مع مربيته بشكلٍ يُمكنه أن يتجاوز معه فكرة البُعد الجسدي بينه وبينها. فالأطفال يحتاجون إلى بناء تعلُّمهم بناءً على التواصل مع المربية واستجاباتها لهم ولحاجاتهم".
وأكد أن التباعد أو التقارب في مرحلة الطفولة المبكرة يجب أن يُفهما في سياق نمو الأطفال ومنطقهم أولاً، ومن منظورٍ تربويٍّ يرى هذه المفاهيم في تأثيراتها الاجتماعية والنفسية التي في إطارها تتشكل ثقة الأطفال بأنفسهم وشعورهم بالأمان، لافتاً إلى خطورة تضاعف التباعد في حالة التعليم الإلكتروني، حيث ساهمت الجائحة الإلكترونية في التباعد الاجتماعي، وعززته، قبل الجائحة الفيروسية.
كما ركز اللقاء على موقع المربية ودورها في حياة الأطفال كدورٍ محوريٍّ ومركزيّ، بوصفها شخصيةً تربويةً ومرشدةً نفسية، مع التركيز على دور اللعب وأهميته في تحقيق التباعد (المكاني أو الفيزيائي) لغاياتٍ صحية، حيث يميل الأطفال بطبيعيتهم في هذا العمر إلى اللعب ضمن مساحةٍ ذاتيةٍ منفصلةٍ عن الآخرين، عبر مرحلة اللعب (المتوازي) الذي يسبق اللعب التعاوني أو التشاركي، ما يعني أنّ ثمة ممكناتٍ لتوظيف اللعب في الروضة بشكلٍ صحيٍّ وسليمٍ في ظل الجائحة، لكن بشرط أن لا يتحول هذا التباعد إلى شكلٍ من الانفصال أو التباعد الاجتماعي بين المربية والأطفال، ما يُفضي إلى انقطاع التواصل الذي يمثل حاجةً قصوى للأطفال في هذه المرحلة العمرية.
وجاء تفاعل المربيات مع المداخلة على شكل تعليقاتٍ مكتوبةٍ وملاحظاتٍ توضيحيةٍ وتساؤلاتٍ من وحي الميدان والضرورة العملية، تعليقات وأسئلة تتوالى على سطح الشاشة من خلال تقنية التخاطب (chat) ضمن برنامج زوم، لتتحول إلى حوارٍ أدارته الباحثة طنوس، حيث طرحت أسئلةً عدةً حول كيفية التعامل مع الأطفال في الأسابيع الأُولى من الدوام، وإن كان من الضروري التركيز على الإرشادات الصحية الوقائية بشكلٍ خاصٍّ قبل كل شيء.
وجاءت الإجابة من الدكتور قدسي بأن "الروتين اليومي للأطفال داخل الروضة مهم جداً، فهو جزءٌ لا يتجزأ من الدعم النفسي لهم، خصوصاً في بداية السنة الدراسية"، مؤكداً أن "التدابير الوقائية يجب أن تكون متضمَّنةً بالبرنامج اليومي لتصبح عاداتٍ يوميةً أوطقوساً متبعةً داخل الروضة، تعمل على ضبط سلوك الأطفال بشكلٍ بعيدٍ عن الضغط الذي يمكن أن يتعرضوا له، ويساعدهم على التأقلُم مع بيئة الروضة وحاجاتها، كما أنّ الحوار واللقاء مع الأهل بشكلٍ يسبق الدوام ضروريّان جداً، حتى يخلقا لديهم الشعور بأنّ أطفالهم بأمان، إذ إنّ ثقة الأهل بالمربية والروضة تنعكس بشكلٍ كبيرٍ على ثقة الأطفال بهما".
وأكد مالك الريماوي، الباحث الرئيس في مؤسسة القطان، أن "هذا اللقاء يأتي ضمن المساهمة التي تقدمها مؤسسة القطان من خلال العمل مع مربيات الطفولة لتنظيم هذه اللقاءات المنشغلة في البحث عن أشكالٍ ملائمةٍ لعودة الحياة في المدارس ورياض الأطفال، ضمن تصورات تحقُّق الشروط الصحية اللازمة لمواجهة الجائحة، لكن ضمن توجهاتٍ منسجمةٍ مع النظريات التربوية، من جهة، وقادرةٍ من جهةٍ أُخرى على تمكين المربيات من لعب دورهنّ بشكلٍ واعٍ ومسؤولٍ في تعليم الأطفال داخل الروضة، وتحقيق أعلى شراكةٍ ممكنةٍ مع الأهل، لتوظيف الأشكال المتعددة للتعليم والتعلُّم لمواجهة الأزمة الراهنة وتجازوها"، مشيراً إلى أن ثمة لقاءاتٍ أُخرى في الأيام المقبلة ضمن المنحى نفسه والغاية ذاتها.
وفي نهاية اللقاء، عبرت المربيات عن أهمية المواضيع التي طُرحت وسلطت الضوء على حاجاتهنّ وما يدور في أذهانهن، وبددت الكثير من مخاوفهن، وشكلت أفكاراً ملهمةً جداً جعلتهنّ يتهيأن للعام الدراسي المقبل بلا ترددٍ أو خوف، فهنّ الآن أكثر ثقةً بالدور الذي يمكن أن يقمن به من أجل السير قدُماً بثقةٍ أكبر، من دون جعل الإجراءات الوقائية الصحية عائقاً أمام عملهنّ في تربية الأطفال والتواصل الاجتماعي والتربوي معهم.
وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور سلام قدسي أحد القلائل المتخصصين في مجال الطفولة المبكرة، وهو محاضر في كلية القاسمي في قسم الطفولة المبكرة، ومُعيدٌ في جامعة حيفا في قسم الاستشارة التربوية، وأعدّ أُطروحة الدكتوراه في الطفولة المبكرة بالجامعة نفسها.